الى آنَّا الشفيعة.
"1".
تواصلُ السيّدة في المَطْبَخ، حياكة شَيء ما،
ولا تَشْعر بالاعتدال مَعَ الحَيوان الذي يَثْغو
وَيَقف بمحاذاة نَهارها النازف.
الفلاَّحون أجدادها وَصَلوا الى الصَخْرة
التي حَبَسوا فيها إلههم، وانتَزَعوا الاعتراف
منه. العَيْش في المُدن الغَريبة، يَحْتاج الى
تَفاهم مَعَ المَصاعد النموذجية للأشْجار.
الأفياء مُنْهكة وَتَنْخَسفُ فيها الجَمْرَة
اللافحة للمُعْجزة، وَلَيْس بامكان المرء حين
تَخطّيه حاجز مَوته. تَحاشي اللّبدة المُمْتَلئة
بفصوص الخَواتم المُريبة للغَرقى التُعَساء.
نَظَراتها تُلاحقني وأسْمَع الثَغاء
يَنْطَلقُ بقوَّة مِن جِزَّة الصوف المَصْبوغة.
الظل يَتَمطَّى فوق جنازة طَعام
الغَداء، وَهيَ لا يمْكنها أن تَثب
وَتَتَخلَّص مِن خزانة أيَّامها
المُتَجمِّدة في الحَظائر.
"2".
تأخَّر الانهيار واختَصَرْتُ الطريق في صعودي الرابية
العَطِنة لليل. كُنْتُ أسْمَعُ صخب المَذْبَحة، واعتَدَلْتُ في
شكوكي. التَحسّر على ما فات لا يجْدي، وَالجثث الغَفيرة
مُقْرفة وتَسير في الشَوارع. نفايات تَتَلاطمُ مَع بَعضها
البَعض، وَحَياة الانسان في عَصر اللامبالاة مُبقَّعة دائماً
بالمآسي، والارث العمْلاق للقَتل.
تَلاشى النَهار وَعادَ المرْضى
الى تَوابيتهم. عَبَثاً حاوَلْتُ أن
أُميّز الأصوات. دَجاجة تقوقىء
أسْفَل الدَرج، أم غَمْغَمة انسان
يَحْتَضر؟ بَصيص يَزْداد ضعْفاً
والقَرْع على الجدران يُسرِّع،
بالميتة القاسية لطائر البوم.
"3".
قارات تَتَشظَّى في باطنها الشُعَب المَرْجانية لعَظَمَة الملوك،
والأثير أقلّ نعومة مِن بخار التاريخ. عَوالم يَتَقاعس فيها
الغَرقى عَن اللحاق بالأحياء. الزَمَن الدائخ يومىء اليهم قَبل
اللحظة التي يعاودون فيها الولادة. تَهْجر البَشَرية الممالح،
وَتُخبِّىء الأسْلحة تَحت القَوارب المُتَفوّهة للثأر.
الارث الكيميائي للسَكَن ببَيت الصاعقة،
تَطير في صَمْته المَلائكة.
كلّ جثّة، حكاية مُسلِّية.
"4".
غَفَت النجوم بَيْن الأشْجار، وَتَدثَّرْنا باللحاف نَنْظرُ الى الرجال
العَجائز يَرْمون قلفاتهم في الزحام. رَهائن يَجولون في أرض
السأم، والصبر لا يَتَوازن فيه الموتى أثْناء مواجهتهم الأحْياء.
يَسْتَوْلي عَليكِ يا حَبيبَتي حين تَطْلبين العون مِن إلهكِ، رَماد
المفتاح المُحلَّى للكَفَن. صيَّادو الزَواحف في البَراري تَسلَّقوا
في مَديحكِ لَهُم، الشِّراع المُحاط بجَلال الظَهيرة.
الحاضر لا يَسْتره دَغل الحَقل.
أحدِّثكِ عَن الإشْفاق الذي شَعَرْتُ
به على الغَرقى، وأنتِ لا تَكْتَرثين.
ضياء وَجْهكِ الفاتر يَغْتاب الشعاع
الذي يَتَخطَّى فَزع السيف مِن الجثّة.
"5".
أضْفى التثاؤب على الطوفان الذي انتَظَرْناه بَعد أن تَسلَّقْنا
أكثَر مِن بركان. مسْحة مِن الجَلال، وَمَهابة أفْقَدَتْنا القدْرَة
على سماع أصْوات الزيزان. اعتدْنا في الماضي
على أن مَن يفارقناـ وَيَلْتَحق بموته المؤجَّل. نَخْتَلس
منه الرَعْدة التي يخْفيها في الكفَّين. يُرطِّبُ المُخادع
الصَخْرة الحَزينة للنَهار. اشارة اعترافات لما أضْمَره
مِن شرّ الى الذين يقاسمهم المأدبة. الشكاوى انقاذ المرء
مِن الشراك التي تَنْصبها لَهُ المَلائكة أثناء الصَلاة،
والبَشَرية لا تَتَلاقى مَعَ الريش الذي يُحفِّزها على
الاقتراب مِن سياط البَحر. أيَّام حَصاد احْتجْنا في
تَرْصيعها الى المتاجرة بأكثر ايماناتنا عفونة، وَرَبَحْنا
الاستقرار الى جانب اليَنابيع.
:6".
اعتدْتُ على اسلوب واحد في النَوم،
تَحت الحجارة المُتَزاحمة للسَنَة.
مُسلَّة طفولَتي تَرْبضُ بمغارة تَضمُّ
مَلايين القبور. اشتَرَكْتُ مَعَ أغلب
العشّاق بتَجنَّب المُحرَّمات، وَتَبَعْتُ
اللهبّ الذي يوصل الى الله، لكنّي
أعدْتُ رزم جروحي حينَ ملاقاتي
الالوهية. خَيرٌ للانسان الفاني أن
يَحْتَفظ بكرامته في دنوّه مِن ما لا يَعْنيه،
وما لا يأبه به. آدم لَم يَتَصرَّف
بسوء طوال حَياته، وأُشيْعَت عَنه لَدى
شعوب ما قَبل الطوفان. رفْقَته
الحَميمة للشَيْطان. سَهَرَ لَيله يُدفىء
الفِرْيَة وَتَقبَّل الاهانة. نَحنُ ذرّيِّته
نَزْدَري العقاب الذي تلْحقه بنا الآلهة،
ولا نَقْبَلُ أن تُدنِّسنا المَعْاصي
والآثام. قُدِّسَت أيَّامنا على الأرض،
في ضَنَكنا بَين المَقالع، والموت
يُمْكن تَفاديه بتَحْشيد الطَرائد في
مُمرَّات القَبر قَبل الغياب.
:7".
لا أرغَبُ الآن رؤيَتكِ مُتَوسِّدة الظلال الموهنة للرَغبة.
حبّكِ المَسْعور والمُتْرع بأضواء شلاَّلات الرَهبة. طاقة
عَظيمة لَيْسَ بوسعي تَحمِّلُ ثقلها. صَمْتكِ يَقْسو على
اللحظة المُنْكَمشة للعناق وفراء السرير يَتَلمَّظُ وَيَتَلفَّع
بعريكِ الذي يَفيض على البَراري. رَبيع الموت قَريب
منّا وَنَسْمَع ثغاء ضواريه. المداعبة لَحظة مَصْعوقة ولا
شراع يَنْقذنا مِن الغَرق اذا وَصَل طوفان الجرح الى
العَتَبة المَهْجورة للشَيْخوخة. الزَمَن أغْرَقَت ذَخائره
الريشة التي غَرَسها الطَبيب في مُسْتَقْبَل الطَبيعة، وأنتِ
تَذْرفين الأيَّام ولا تبالين بالظمأ. نَدى لَيل الأرملة حول
عنقكِ يَتَلاشى في الظَهيرة وَيُرَفْرف لازورد الشَمس
المغناجة على مُحبّيكِ الساهرين. سَهم يُغنّي لنَهْديكِ
الظاهرين أثْناء عبوره فضاء الغبطة. ثعبان آدم الذي
علَّمه مداعبة غَريمه قَبل الشروع بحرث حَقَله.
"8".
يخْدَعنا الزائف في تَصوِّرنا للتَضادات المألوفة، وَتغيب عنّا النظْرة
الصائبة لأشْياء العالم. حشود عَظيمة تَدلَّت في الهاوية وَزَحَفَت نائحة
مَعَ العظام مِن دون أمَل أو هَدف. هَل تمَّ التَخلَّي عنَّا أمّ إننا نَفخْنا
بنايات لا تُقاوم وَهْمنا الهائل؟ نَسْتَلم إشارة البركان وَلا نُسافر الى
أبْعد مِن أنوفنا المُبلّلة وَالمفازَة تَنْفَتح وَتَتَحرَّك على الشَواطىء السود
لمحْنَتنا المُرصَّعة بالوَضيع والمفزع. الكَيْفيات التي نُواجه فيها عَدَم
الإنْصات الى ثَغاء قَرابيننا. تُرسِّخ يأسنا مِن صَلواتنا الى المُحْتَجب
وشعورنا بالإذلال وَنَحنُ نغْلق عَلَيْنا الأبْواب الساكنة. يُعرّضنا
للسخْرية مِن الحجارة وَالسَلاحف وَما يعمّر أطْول منّا. حضورٌ وَهْميٌ
لا تَتَبدَّى فيه الضَفائر المَجْدولَة لوجودنا، وَالحيّ مثل المَيت كلاهما
يَعْرف مَصير الفَطيسة وَيُحرِّفه في ذعر يأْسه مِن الماوَراء.