الاحتفاء بالشاعر العراقي: نضيف الناصري

ولد نصيف الناصري عام 1960 في الناصرية جنوبي العراق. أُجبر على الدخول خوف السجن الى مركز لمحو الأمية وتعليم الكبار عام 1975 – 1976 "الحملة الشاملة لمحو الأمية" في مدرسة الجبل الأخضر بالثورة "بغداد"، وتم منحه شهادة يقرأ ويكتب. أمضى الخدمة العسكرية الالزامية 1979 – 1991 بصفة جندي مشاة. أصدر عام 1986. 4 مجموعات شعرية بخط اليد، وبطريقة التصوير بالدفلوب ضّمها مجلد حمل عنوان "جهشات ". أصدر عام 1996 مجموعته " أرض خضراء مثل أبواب السنة" عن الدار المؤوسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت. أصدر عام 1997 كراس "قبر في الذاكرة" عن دار مخطوطات – هولندا . أصدر عام 2007 مجموعته "في ضوء السنبلة المعدة للقربان" عن دار بابل. دمشق. منشورات المركز الثقافي العربي السويسري. أصدر في مواقع الانترنت "ايلاف. الكاتب العراقي. عراق الكلمة. بيت الشعر العراقي. جهة الشعر. الحوار المتمدن. آبسو. عراقيون. مجموعاته. 1- "ولاء الى جان دمو" . 2- "أشياء ما بعد الموت" . 3- "الأمل. أضداده. خيّاط الموت. نار الأبدية". 4- "نار عظيمة تحمي الياقوت". 5 – "كتاب الحكمة الغجرية" . وأصدر سيرة بعنوان "معرفة أساسية : الحرب . الشعر . الحب . الموت" وكتاب "صوت سنبلة قمح لم تولد" وكتاب" خديعة السنبلة. في شؤون اللحظة الراهنة" وكتاب "الأنهار الكبيرة المتعرجة. ردّات واندفاعات الشعر العراقي" وكتاب "العودة الى الهاوية. في الشعر العربي الراهن". يقيم في السويد منذ عام 1998

----------------------------------- 


الى آنَّا الشفيعة.
"1".
تواصلُ السيّدة في المَطْبَخ، حياكة شَيء ما،
ولا تَشْعر بالاعتدال مَعَ الحَيوان الذي يَثْغو
وَيَقف بمحاذاة نَهارها النازف.
الفلاَّحون أجدادها وَصَلوا الى الصَخْرة
التي حَبَسوا فيها إلههم، وانتَزَعوا الاعتراف
منه. العَيْش في المُدن الغَريبة، يَحْتاج الى
تَفاهم مَعَ المَصاعد النموذجية للأشْجار.
الأفياء مُنْهكة وَتَنْخَسفُ فيها الجَمْرَة
اللافحة للمُعْجزة، وَلَيْس بامكان المرء حين
تَخطّيه حاجز مَوته. تَحاشي اللّبدة المُمْتَلئة
بفصوص الخَواتم المُريبة للغَرقى التُعَساء.
نَظَراتها تُلاحقني وأسْمَع الثَغاء
يَنْطَلقُ بقوَّة مِن جِزَّة الصوف المَصْبوغة.
الظل يَتَمطَّى فوق جنازة طَعام
الغَداء، وَهيَ لا يمْكنها أن تَثب
وَتَتَخلَّص مِن خزانة أيَّامها
المُتَجمِّدة في الحَظائر.
"2".
تأخَّر الانهيار واختَصَرْتُ الطريق في صعودي الرابية
العَطِنة لليل. كُنْتُ أسْمَعُ صخب المَذْبَحة، واعتَدَلْتُ في
شكوكي. التَحسّر على ما فات لا يجْدي، وَالجثث الغَفيرة
مُقْرفة وتَسير في الشَوارع. نفايات تَتَلاطمُ مَع بَعضها
البَعض، وَحَياة الانسان في عَصر اللامبالاة مُبقَّعة دائماً
بالمآسي، والارث العمْلاق للقَتل.
تَلاشى النَهار وَعادَ المرْضى
الى تَوابيتهم. عَبَثاً حاوَلْتُ أن
أُميّز الأصوات. دَجاجة تقوقىء
أسْفَل الدَرج، أم غَمْغَمة انسان
يَحْتَضر؟ بَصيص يَزْداد ضعْفاً
والقَرْع على الجدران يُسرِّع،
بالميتة القاسية لطائر البوم.
"3".
قارات تَتَشظَّى في باطنها الشُعَب المَرْجانية لعَظَمَة الملوك،
والأثير أقلّ نعومة مِن بخار التاريخ. عَوالم يَتَقاعس فيها
الغَرقى عَن اللحاق بالأحياء. الزَمَن الدائخ يومىء اليهم قَبل
اللحظة التي يعاودون فيها الولادة. تَهْجر البَشَرية الممالح،
وَتُخبِّىء الأسْلحة تَحت القَوارب المُتَفوّهة للثأر.
الارث الكيميائي للسَكَن ببَيت الصاعقة،
تَطير في صَمْته المَلائكة.
كلّ جثّة، حكاية مُسلِّية.
"4".
غَفَت النجوم بَيْن الأشْجار، وَتَدثَّرْنا باللحاف نَنْظرُ الى الرجال
العَجائز يَرْمون قلفاتهم في الزحام. رَهائن يَجولون في أرض
السأم، والصبر لا يَتَوازن فيه الموتى أثْناء مواجهتهم الأحْياء.
يَسْتَوْلي عَليكِ يا حَبيبَتي حين تَطْلبين العون مِن إلهكِ، رَماد
المفتاح المُحلَّى للكَفَن. صيَّادو الزَواحف في البَراري تَسلَّقوا
في مَديحكِ لَهُم، الشِّراع المُحاط بجَلال الظَهيرة.
الحاضر لا يَسْتره دَغل الحَقل.
أحدِّثكِ عَن الإشْفاق الذي شَعَرْتُ
به على الغَرقى، وأنتِ لا تَكْتَرثين.
ضياء وَجْهكِ الفاتر يَغْتاب الشعاع
الذي يَتَخطَّى فَزع السيف مِن الجثّة.
"5".
أضْفى التثاؤب على الطوفان الذي انتَظَرْناه بَعد أن تَسلَّقْنا
أكثَر مِن بركان. مسْحة مِن الجَلال، وَمَهابة أفْقَدَتْنا القدْرَة
على سماع أصْوات الزيزان. اعتدْنا في الماضي
على أن مَن يفارقناـ وَيَلْتَحق بموته المؤجَّل. نَخْتَلس
منه الرَعْدة التي يخْفيها في الكفَّين. يُرطِّبُ المُخادع
الصَخْرة الحَزينة للنَهار. اشارة اعترافات لما أضْمَره
مِن شرّ الى الذين يقاسمهم المأدبة. الشكاوى انقاذ المرء
مِن الشراك التي تَنْصبها لَهُ المَلائكة أثناء الصَلاة،
والبَشَرية لا تَتَلاقى مَعَ الريش الذي يُحفِّزها على
الاقتراب مِن سياط البَحر. أيَّام حَصاد احْتجْنا في
تَرْصيعها الى المتاجرة بأكثر ايماناتنا عفونة، وَرَبَحْنا
الاستقرار الى جانب اليَنابيع.
:6".
اعتدْتُ على اسلوب واحد في النَوم،
تَحت الحجارة المُتَزاحمة للسَنَة.
مُسلَّة طفولَتي تَرْبضُ بمغارة تَضمُّ
مَلايين القبور. اشتَرَكْتُ مَعَ أغلب
العشّاق بتَجنَّب المُحرَّمات، وَتَبَعْتُ
اللهبّ الذي يوصل الى الله، لكنّي
أعدْتُ رزم جروحي حينَ ملاقاتي
الالوهية. خَيرٌ للانسان الفاني أن
يَحْتَفظ بكرامته في دنوّه مِن ما لا يَعْنيه،
وما لا يأبه به. آدم لَم يَتَصرَّف
بسوء طوال حَياته، وأُشيْعَت عَنه لَدى
شعوب ما قَبل الطوفان. رفْقَته
الحَميمة للشَيْطان. سَهَرَ لَيله يُدفىء
الفِرْيَة وَتَقبَّل الاهانة. نَحنُ ذرّيِّته
نَزْدَري العقاب الذي تلْحقه بنا الآلهة،
ولا نَقْبَلُ أن تُدنِّسنا المَعْاصي
والآثام. قُدِّسَت أيَّامنا على الأرض،
في ضَنَكنا بَين المَقالع، والموت
يُمْكن تَفاديه بتَحْشيد الطَرائد في
مُمرَّات القَبر قَبل الغياب.
:7".
لا أرغَبُ الآن رؤيَتكِ مُتَوسِّدة الظلال الموهنة للرَغبة.
حبّكِ المَسْعور والمُتْرع بأضواء شلاَّلات الرَهبة. طاقة
عَظيمة لَيْسَ بوسعي تَحمِّلُ ثقلها. صَمْتكِ يَقْسو على 
اللحظة المُنْكَمشة للعناق وفراء السرير يَتَلمَّظُ وَيَتَلفَّع 
بعريكِ الذي يَفيض على البَراري. رَبيع الموت قَريب 
منّا وَنَسْمَع ثغاء ضواريه. المداعبة لَحظة مَصْعوقة ولا
شراع يَنْقذنا مِن الغَرق اذا وَصَل طوفان الجرح الى
العَتَبة المَهْجورة للشَيْخوخة. الزَمَن أغْرَقَت ذَخائره 
الريشة التي غَرَسها الطَبيب في مُسْتَقْبَل الطَبيعة، وأنتِ
تَذْرفين الأيَّام ولا تبالين بالظمأ. نَدى لَيل الأرملة حول
عنقكِ يَتَلاشى في الظَهيرة وَيُرَفْرف لازورد الشَمس 
المغناجة على مُحبّيكِ الساهرين. سَهم يُغنّي لنَهْديكِ
الظاهرين أثْناء عبوره فضاء الغبطة. ثعبان آدم الذي 
علَّمه مداعبة غَريمه قَبل الشروع بحرث حَقَله.
"8".
يخْدَعنا الزائف في تَصوِّرنا للتَضادات المألوفة، وَتغيب عنّا النظْرة
الصائبة لأشْياء العالم. حشود عَظيمة تَدلَّت في الهاوية وَزَحَفَت نائحة
مَعَ العظام مِن دون أمَل أو هَدف. هَل تمَّ التَخلَّي عنَّا أمّ إننا نَفخْنا
بنايات لا تُقاوم وَهْمنا الهائل؟ نَسْتَلم إشارة البركان وَلا نُسافر الى
أبْعد مِن أنوفنا المُبلّلة وَالمفازَة تَنْفَتح وَتَتَحرَّك على الشَواطىء السود
لمحْنَتنا المُرصَّعة بالوَضيع والمفزع. الكَيْفيات التي نُواجه فيها عَدَم
الإنْصات الى ثَغاء قَرابيننا. تُرسِّخ يأسنا مِن صَلواتنا الى المُحْتَجب
وشعورنا بالإذلال وَنَحنُ نغْلق عَلَيْنا الأبْواب الساكنة. يُعرّضنا
للسخْرية مِن الحجارة وَالسَلاحف وَما يعمّر أطْول منّا. حضورٌ وَهْميٌ
لا تَتَبدَّى فيه الضَفائر المَجْدولَة لوجودنا، وَالحيّ مثل المَيت كلاهما
يَعْرف مَصير الفَطيسة وَيُحرِّفه في ذعر يأْسه مِن الماوَراء.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٤‏ أشخاص‏، ‏‏نص‏‏‏



-----------------------------------------

أغْفو وأتلقَّى مِن برْكان هجْرانكِ النَداوة.
"أنا وأنْتِ لا نُحِّبُ بَعْضنا"،
وعلى طَريقة الشاعر العذْري القَديم.
نُحِّبُ الجَمْرة المُتحرِّكة في الحُبِّ.
أعتَقدْتُ على الدوام أنَّني في مضاعفتي
لتدْمير ذاتي بغيابكِ، أحاولُ أن أطْفىء
عَطشي مِن نَبْعكِ الجامد. 
لَحْظة المَوت التي أنْتظرها بَعْدَما شاب
رأسي، ويَئسْتُ مِن اشارة لطيفة مِنْكِ.
لا تَفي بوعْدها، وها أنا أخاطبكِ وأتحمَّل
ثقل ودادكِ، وأنْتِ عَذْراء ومَكْشوفة تَحْت
الأقْواس الباطنية للنجوم. 
لا أسْتَطيع قبول وصالكِ وأنْتِ تحاولين
اسْتخْدامي مُجرَّد كيْفية للتَقَرب مِن ظلِّ
الزَمَن. المجاملة الغرامية خَطرة عليّ
وعَليْك، والارتباك في زلزال السَرير، لَهُ
الأفْضَليَّة بملامسة خًصلات شَعَر الزهْرة الدبقة
التي تُطوِّقكِ ضَعيفة وَوَحيدة في الفَجْر. 
"2".
نزْهَة طَويلة أوْصَلَتْني الى الغَدير، وَرَأيْت الذئب يغْرز
مَخالبه في الرَسائل التي أرْسَلْتها ولَم تَصل الى أبي.
كَم مِن الأَيَّام تَركْتُ وَرائي
 وَتَحوَّل كلّ شيء الى رَماد؟
مُتَذوِّقاً قَمح الخَسارة الأسْوَد، أطوفُ المَدينة وأبْحَثُ عَن
كنز يَصْعَب العثور عَلَيْه، ولا وفاق مَع زَمن الأسْلحة
التي تَتكدَّسُ في الطرق وَتُجمِّدُ المَرايا. 
العَيْش في المُنْتَجعات، لا يَخْلو مِن التَبرّم والرغْبة في
اعتزال الغَير، وكانَ عليّ أن لا ألْمس المَعْدن المُصفَّى
لجنازة الطفل الذي كُنْتهُ. 
في طروادة كانوا يُعلِّمون الجنْدي نبْذ الحشْمَة لكي يصْبح
مواطناً بلا أثر للتراب، ويُعلِّمون الفَتيات أن يَقْعدْنَ تَحْت
الشَمْس، ولا يخْشيْن فكْرة خصاء العاشق.
تَفَقَّدْتُ الخَرائب ورَأيْت الحشود تَنْزل مِن السفن، وتذْهَب
الى لقاء الآلهة للاسْتئثار بغُفْرانها التَهكّمي.
غَطَّتْني جَدائل الأمْطار، وعُدْتُ الى البَيْت لا أسْتَطيع
الافْصاح عَن المَكان الذي أخْفَيْتُ فيه مَرْثية الزَمَن.
"3".
فَرَضَتْ عليَّ العبادة أثْناء الرَحْلة الى مَسْقَط رأسي،
عَدَم لَمس بَعْض الأشْجار واللقاء بالسَحَرَة وتَجنّب
النَوم مَع الزَوْجة في فَترات الطمث وأيَّام الرضاع.
أكْثَر المَصائب التي يقْشَعرُّ لَها بَدَني، هي مَصيبة
الذين خَرَّبوا المَسْرح والحَديقة وبناية دار العَدالة.
كُلّهم يَحْملون السكاكين وعيونهم مَعْصوبة والبَعض
منْهم لا يَتَورَّعُ عَن انْتهاك حرْمة الموتى وَنَبش
قبورهم وبعْثرة العظام. 
حيال كلّ قَبْر حَبَّة قَمْح للمَيت، واذا ما ذَهَبَ الى 
الصَيْد، تتَّصل به عندما يداهمها الخَطر مِن مَجيء
صاحب الطاحون. 
"4".
الأخْبار مُتَضاربة عَن انْتشار الطاعون في المَدينة،
وَكلّ مِن نَجا مِن الاصابه به. يَخْرجُ مِن أكْمام ثَوْبه
رَماد برْكانيّ ويُجنِّبه التعثّر بالجَنائز.
امرأة منْزَوية خَلْف طاحونة الحبوب وَمعها صَبيّة،
تحدَّثْتُ إليّ عَن الكارثة وقالت:"يأكل المَرض البَشَر
والثمار والطيور والأبْنية والحجارة في الطَبيعة".
دَوَّنْتُ ملاحظات سَريعة، وكانَت هيَ تنْظر الى مَوْج
المَوت وتلاطمه، فَعَرضْتُ عَلَيْها أن تُهاجر مَعي
الى بَلد آخر. الصَبيّة تَزيَّتْ بزيّ ملاك شابّ،
وَحَمَلتْنا الى شعوب لا يسْتَطيع الله الاسْتغْناء عَنْها.
مَرَّات كَثيرة سَهوتُ فيها عَن ارْتداء القناع، ولَم أحْذَر
خَطَر ظهور الدلاء التي تَقْذف السموم في الجوِّ، 
وَكُنْتُ أقولُ دائماً للغَيْر اذا ما تَحلَّقتْ حَوْلي رياش
 المَرض:" سَيَنْجدني الله". وَضَعْتُ مَعْطَفي على
شمّاعة المَلابس وَشَفَيْتُ مِن الجُرْح. 
"5".
سَقَطَ نَدى مِن القَمر على الصينية وعلى أطْباق الطَعام،
وأنا مِن الذين يرْهبهم هذا الإله الذي يسْتَحْوذ على النساء
أثناء فَترات حيْضهنَّ. وَصَفْتُ لجارتي وهي تضع الدخن
للطيور، على سياج شرْفَتها مَرارة دخوله في مَطْبَخي،
فأنْكَرَت فَرضية تَملّقه لَها ولغيْرها
 مِن النساء أثْناء الحيض.
تَجرَّعْتُ المَرارة وخرجْتُ مَع الكلب ليتبرَّز.
في مَدخل الغابة رأيْتُ شَجَرة تحْتَضر والى جانبها
تصْطفُّ الشلالات. قطفْتُ ثَمرة وأخْفيْتها بَين الأخْتام
التي أخْتمُ فيها رسائلي الى الربّ. عُلَماء الفلك أجْروا
على ما يحيط بالحقْل تغيّرات، وظننْتُ انَّهُم تَجشَّموا
العناء الكبير مِن أجل صدّ ما يتساقط مِن السَماء. أثْبَتَ
اكتشافهم للمَنيّ فَوق الأسرَّة التي يرْقد عَليها الإله الشَبق،
صحّة فرضيتي، لكنَّ الجارة التي بَين فخذيها الحَرير
المُبلَّل. لتأمين احتياجاتها مِن الحوانيت، أخذت منّي 
قطع النقد المعْدَنية و ذَيل الكلب رَهينة.
 لذَّة دخول الأرض الرطْبة لا توازيها أيَّة لذَّة أُخْرى.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏‏أشخاص يقفون‏ و‏نص‏‏‏‏




-----------------------------------------------------
تَملَكتْني وكانَ الزَمَن وفْرة في المَحصول، وأتاحَت لي أن أثبتُ
عَدالة الله في الأرض. الفَزعون تَخلَّوا عَن الشَفيعات، وَصلَّوا مِن
غير أن يَدْفَعوا الديّة وَحَجَبَت الشَمس عَنهُم الجَوائز. هيَ والأمل
لَولاهما لانحطَّت وَرْدة الموت وَتمْتَمَ النَهار. عَبَرَت بَحر البَلْطيق
وعادَت الى بلادها. زَيْتُ الخَرْدَل غرَّني في تَدْليكي لظَهرها
المُبَرْقش بالحمّام، وَروَّعَتْ نار العَقيق الريش في حَديقتها. لكنَّ
إحْصائي لإبر النجوم في نَهْديها، تَلبَّسَني فيه الحزن الذي اشْرَئبَّ
فجأة وَدمَّر سخونة الليل. كَيْفَ لي أن أمْحو ما دَهَنتْني به مَرارة
حَياتي الماضية، وأغرز الرَغْبة الظافرة في حاضري؟ تَتَنازَعني
بانتظاري للفَرَج الرغبة، في تَملَّك الجَعائل الجمَّة لانخيدوانا والنوم
مَعَ آنَّا في فُسْطاط الموت. كلّ الذين أقْصاهم الزَمَن عَن الشُفعاء،
خافوا وَكسَّروا رماحهم في إيعاز الوَعد لَهُم بالانتظار. الحُبّ
وعود، وأجْمَلها الهَلَع والذهول والحلّة التي يَرْتَديها المُحبّ في
قَبْره وَيَنْحَدر الى اللازَمن.
"2".
عفوتِ عنّي وكنتِ تحتفظين بالمرآة، التي يرى فيها
الميت ماضي حياته. انحدرتُ معكِ الى البستان-
السرير، ننزع الفضائل ونغرقُ في الفوضى الى
القاع. أعربتِ عَن احساسكِ باللذَّة ومنحتكِ الآلهة
رغبة افشاء السرّ. أعضّكِ مِن خدَّكِ وأنتِ تمسكين
الثعلب، وتخاطرين في ادخاله الى الجحر. يُعزِّزُ
فعل الجنس معكِ قرابتي الى الذين غرقوا وتاهت
بهم الأنهار.
"3".
سخطكِ علي يسوءَني، ويتعذَّر أن أصف لكِ
شعوري. تقرّين انَّكِ بعد الجماع تشعرين بما
تشعر به البذرة العطشى، وأنا أحاولُ أن ألبّي
حاجتكِ وأرضيكِ. زيادة احساسكِ بالانتساب
الى زُمرة المسعورين، ينجيني مِن الأصائل التي
تخيف مراكب الغيوم. ثبت لدي الآن بعد أن
زرعت في داخكِ النطفة، انَّكِ تثأرين مِن قُصر
العُمر، وتُحركّكِ الرغبة في المزيد مِن الجماع.
"4".
أحني رأسي على صدركِ وللنهدين رائحة البذار
في الحقول. قُلتُ لكِ أن هزال جسمي بَيِّنة على
الافراط في نبش أرضكِ، وأنتِ تغالين في القسوة
عليّ. ما تعدّينه كنزكِ تتنافسُ فيه الظلال والحرور،
وأنتِ تخفين في رحمكِ الجنين الذي سيولد،
والجنين هو أنا الرجل الكهل.
عُلوّكِ صعب المرتقى،
والعقيق اللامع في عينيكِ
يستعجل المداعبة، وكُلّ
لحظة غنج مواربة. تُقصِّر
العُمر ويتعاقبُ مرور الريش
الذي يسقط مِن الأعماق.
"5".
يزعمون أن الرغبة لا تتحقَّق إلاَّ بعد دفع
النفقات. الطباع في داخلي متوازنة وأنتِ
بفراء ثدييكِ الأنيق، تُسبَّبين لي التشتّت،
والتشاحن مَع الضياء الوردي لجسدكِ.
انهزمتُ في الرهان معكِ وكنتِ تخفين
عنّي مفتاح الباب السرّي لطروادتكِ.
أكثر ما أخشاه وأنتِ لا تُحرِّككِ
الرغبة في النسك، أن تتألَّهين وأقلعُ عَن
النوم الى جانبكِ.
"6".
اعتدنا تجنّب الأشياء المتشتبهة، ولَم نتماد في المكوث
بالغامض. يحذر البعض مِن الحوادث التي يُسبّبها
الغرق، وأنا وأنتِ لَم نرتكب جنحة في اعتبارنا الحرث،
طريقة للوصول الى الأبدية. امتثلنا للرغبة والزمَن
يغدق علينا العطايا. لماذا تجهدين نفسكِ وتتذمَّرين مِن
الاعتدال في زرع البذور؟ البعض يعارض رأيكِ في
اعتبار الأرض الرطبة، هي التي أغوت المطر بالنزول.
"7".
تكوَّنت عندي وعندها على مرّ الأعوام،
الرغبة في الافلات مِن ابر الايمان الذي
يدنِّس العَيش، ومثلها أحاول طلب العون
ولو بالتلميح مِن بعض الآلهة الذين نسهر
معهم في الكافتيريا.
وصلنا الجزيرة ورأينا المعادن تثغو،
ورغبتُ أن لا يعاودها التفكير في
شرور يوم القيامة. مرَّت بِنا ناقلة المواشي
وقالت:"هَل ستحصي التوابيت؟".
تسرَّعتُ في الاجابة وقلتُ:"لا".
"8".
ودادي لكِ شراكة ونتقاسمُ فيه التشبّث بدوام العُمر،
وسواكِ مِن النساء أغلبهنَّ تحرَّرنَ ومنعنَ أنفسهنَّ
مِن الاستلقاء على الأسرَّة التي تنهش دغلها الشمس.
وقفتكِ المتحفّظة، وأنا أتعرَّضُ لمخاطر الدخول
معكِ الى الجزيرة المعشبة، تعلَّمتُ منها الحذر
الواجب مِن ملاقاة الجنّية فيكِ. شلَّت مداعبتي
لبظركِ يدي، وزعمتُ انَّني تغلبتُ على غيظي
منكِ، وانكببتُ عليكِ أحميكِ مِن رشقات السهام.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏نص‏‏‏


---------------------------------------------------


الى لالوش الشفيعة.
"1".
تلقَّيت صدمة فظيعة في تَحوّلكِ مِن فتاة شابَّة
الى امرأة كهلة، وأنا مثلكِ أعاني مِن معضلة
لا أجد لَها الحلّ الأمثل. حبَّة القَمح التي زرعتها
في الحقل، آملُ أن تثمر وأسدِّدُ ديوني، لكنني ما
زلتُ برفقة هَلَعي القديم. عُمر الانسان غصن
صفصافة أملس، وفي نَهاية كلّ نَهار تُظهر
الأيَّام الكفيفة اللحظات المُخضَّبة بالنواح على ما
فات. بميسوركِ الآن والجَمال يغمر روحكِ، العَيش
بلا ندامة. تلامسُ الأوراد وَجهكِ ولا يقهره تَبدّل
الأوقات.
"2".
نتلامسُ أنا وأنتِ قَبل الذهاب الى السرير
وأغلب كلامنا توريات.
مدمنو مَرض الاتصال بالغَرقى، ينفصلون
عَن ذواتهم أثناء الغوص في بئر الجماع،
ولا تكلّف في ما بَينهم.
كتبتُ اليكِ قَبل ولادتي
انَّني يقلقني البعد عنكِ،
وكنتِ تمسكين الحَربة
المُتنزّهة بَين فخذيكِ.
تعرَّضتُ الى أكثر مِن
صَدمة وأنا أهزّكِ وأتلقَّى
الثمار مِن تباهيكِ بِما
تفعَلينه بي. شَعَر عانتكِ
شراع المركب الذي ينقلني
الى أرض الذروة، وأنتِ
لا تتأفَّفين في فترات الطمث.
"3".
أعرفُ انَّني مَقضي عليّ في تذلَّلي لكِ وفي
رفقتكِ العُمر كُلّه. بامكاني أن أشير الى ما
يبهجكِ ويجعلكِ تستسلمين الى الغامض والى
ما يسارع في موته. تختلفُ المرَّات التي
أغطس فيها معكِ بالهاوية، وأنتِ تسقطين
أثدائكِ على صدري. صورتكِ وأنتِ تنزلين
السرير عارية، تثير القلق عندي.
هَل جسدكِ المتأَنّي في لمعان عقيقه،
زنبقة قَبري الأليفة؟
سنجلسُ في الفردوس
ونحظى بوفرة الحُمَّى
العميقة للعناقات. كلاّ مِنّا
سينعم الله عليه بِما يستحقه،
وستتملَّكنا الحيرة مِن زوال أيَّام الشباب.
"4".
لا يمكنني السيطرة على فظاظتكِ وأنتِ تتعرَّين
وتتلوَّين وترتكبين الاثم، أثناء رضعي لثدييكِ البضّين.
إلهة شرّيرة ينتظر منها الغرقى الابراء مِن مرض
غرقهم. قبل طلوع الشَمس تقومين بنزهة في حدائق
جسدي، ولا يروَّي عطشكِ كُلّ ماء الينبوع.
بعض الذين سايَرناهم الى الغابة، تبنَّوا الأطفال
وأنتِ لا تهمّكِ الفروق بَين الطبقات. تريدين منّي
أن أبقى طوال حياتي طفلكِ الوحيد.
تَتملمَلُ الحُمَّى في أعماقكِ، وأنتِ الإلهة الجنّية
الجميلة والشرّيرة. خَفَّفتُ رمي فراء القذف
عليكِ، واستدرتُ أحملكِ الى حوض الحمَّام.
دخَلَت الزرقة مِن النافذة
وضيّعني جمال وجهكِ المرعب.
"5".
عَيناك تريان ما لا تراه النساء وجمالكِ الغريب،
انتشلني وخلَّصَني مِن براءتي.
كنتُ قبلكِ أعتقدُ أن المَيت يتناسى توأمه ويُعرِّض
نفسه للتلف. لماذا تستهدفني سهامكِ حين أتعرَّى
وأنزع عنّي الأشياء الفائضة؟
أنتِ البركان الذي يقذفُ الفاحشة
والنوم معكِ بلا خطر، أنعم عليّ
بالعافية الكبيرة وشُفيتُ مِن كلّ جروح الماضي.
"6".
تغزلُ افروديت في المطبخ وتشرب الجنّ بالليمون.
أسمعها تُغنّي ولا أريد الاقتراب منها، لئلا تنتهي
الفرادة في هذه اللحظة. مِن أعراض مرضي حين
النوم معها، الرعشة وعدم الكلام والانقضاض بقوَّة
على الثمرة. مراسم الدخول في القبر، تتطلَّبُ منّي
أن لا أبقى بلا حراك. أظنُّ نفسي انَّني سأموت ولا
أشبع مِن شمّ العطور، وفرجها لا تنتهي مؤونته مهما
طال الزَمن.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٣‏ أشخاص‏، ‏نص مفاده '‏الشاعر العراقي نصيف الناصري في مجانين قصيدة النثر‏'‏‏

---------------------------------------------




تم عمل هذا الموقع بواسطة