قصائد للشاعر والناقد المصري: د. أمجد ريان
أهلاً 2020 .. 
                       أنا "بردان" 
..
أنا المراقب الأكبر للحياة 
وأحب أن أجري المقارنات ، وأطرح التشبيهات 
ومنذ طفولتي كنت ألتقط المشاهد الخاصة : 
أمشي بخفة 
خلف الدرويش الذي يحرك المبخرة 
الممسوكة من أعلى بالسبابة والإبهام 
كان الدرويش يحركها دائرياً لكي ينبثق البخور الكثيف
وكنت أراقب المرأة المنشغلة بكيّ بنطال ابنها ، 
وملابسه ، 
طوال الليل ، 
بقلب يعتصره الألم 
وأراقب أصابعها الطويلة 
الممسكة بالمكواة الحديدية في صبر وتؤدة 
كانت تبهرني الأصابع : 
وأظل أتأمل كفي ، وحركة أصابعي 
وأصابع الآدميين ، وأصابع القردة  
وكنت أعرف أن الأصابع لها خصوصيتها ، 
لأنها حاملة البصمات 
ولأنها هي التي تصنع كل شيء 
كنت أراقب :
جاكت الكاروهات الكبيرة التي تجعل من يلبسها 
يشبه البلياتشو 
أراقب مداخل الأبنية التاريخية 
وأقول أن الأصابع الماهرة هي التي شيدتها 
الأصابع الآدمية هي التي خلقت الحضارات ، والتواريخ
 وحين هرب فريون الثلاجة 
عرفت معنى المشكلات المحبِطة  
وعرفت معنى المعرفة ، وظللت أجمع الكتب 
بكل أحجامها وأشكالها وروائحها ،
ولكنني في الآونة الأخيرة 
بدأت أضع بين الكتب التي على الرفوف 
أكياس المناديل ، 
وفتاحة زجاجات المياه الغازية ، 
وأقلام الحبر الجاف
ولكن لازالت شخصيات الحواديت التي سمعتها في الطفولة 
حاضرة في ذهني
ومهما كانت الشبورة غائمة 
أتمكن من رؤية المرأة الجميلة التي 
توقفت عن نشر الغسيل فجأة 
ودخلت من باب البلكونة ،
ولكن في الأصل لايمكن أن تتم عمليات غسيل الثياب 
دون أن يكون هناك دور محوري للأصابع .
.
السبابة قامت بدور كبير في حياتنا : 
بين المنع والاختيار والتقرير 
كما أن الأصابع هي قمم الإحساس 
وهي التي تعرف كيف تعبر 
عن أدق مشاعر الحب ،  
وحين تمشيت حتى النافذة 
نظرت مباشرة إلى المطعم في العمارة المقابلة :
رأيت الرجل السمين الذى 
يغطي صلعنه بالبرنيطة الإفرنجية 
يلتهم رغيف "الحواوشي" الذي قبض عليه 
بأصابع غليظة محتشدة .
.
للأصابع أدوار كثيرة في الحياة : 
الأصابع قد تقتل بخنق الضحية 
وقد تعلن البشارة 
عندما تستقبل الوليد الباكي . 
وأنا لي ذكريات لا أول لها ولا آخر ، عن الأصابع 
ولا أنسى كيف عوقبت أمام كل التلاميذ 
بهذه الضربات القاسية فوق الأصابع 
ولازلت أضم الكف 
وأدفع بالإبهام للأمام لأعلن الرضاء 
والثقة المطلقة .
.
قميصي له رائحة الحزن 
و الموبايل الذي اتصلت به كان مغلقاً ،
ولكنني أغلقت "سوستة" الجاكت جيداً 
وأصبحت جاهزاً تماماً : للخروج .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏‏، ‏نص مفاده '‏قصيدة اللث أنا المراقب الأكبر للحياة وأحب أن أجري المقارنات وأطرح التشبيهات ومنذ طفولتي كنت ألتقط المشاهد الخاصة الشاعر والناقد المصري: أمجد ريان‏'‏‏


أنا السينارست الحزين
.. 
هل يستطيع أحد أن يهرب من الزمن ؟ 
هل يستطيع أحد أن يعرف ماالذي يريده ، و ماالذي لا يريده 
لا شيء في حياتي يمكن أن يهم أحداً ،
حتى قصيدة النثر أصبح قراؤها قليلين 
وأصبحت لا أملك سوى علاقتى الحميمة بالقاهرة  
ولايعرف أحد بلدي  ، كما أعرفها 
ولايعرف أحد مكانة طبق الكشري 
في جمهورية مصر العربية ، كما أعرفها :
أنظروا لأصابع الإنسان الممشوقة التي تقلّب بين الأشياء :
الإنسان يحب التقليب 
كل أنواع التقليب : لكي يصل إلى مالا يعرف
التقليب هو الطزاجة  
وهو التساؤل .
.   
العلاقات الآدمية دائماً مرتبكة 
هناك عيون تتحدث ، وعيون تسمع 
ولكن الارتباك هو منطق الحياة 
ولاتستطيع السياسة ولا الدبلوماسية أن تفك هذا الارتباك . 
.
الزمن  يحاصر الناس 
الزمن الطري الذي يفيض بالسيلولة ، والانسراب ، والتبخر 
الزمن الصلب المتحجر العنيد :
وليست الحياة سوى "حوسة" كبيرة  
وأنا بنقرات أصبعي على المنضدة 
أعدد الخسائر التي تحيط بي من كل صوب .
.
حينما كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة 
ابتكر الإنسان المرايا : لكي يتأمل نفسه في قلب الدمار 
وأحاطها ببراويز ثمينة لكي يمجد نفسه ، ويمجد صورته 
وأنا تائه تماماً 
منذ فترة كنت أعتقد أنني تائة بدرجة بسيطة 
لكنني الآن تائه إلى أقصى درجة 
بعض الناس يرتعبون من الزمن 
والبعض الآخر يحلمون به مثل الموسيقى الرومانتيكية 
ولكن الزمن ليس سوى لعبة ساخرة 
ولا فرق لدي بين المتن والهامش :
لقد درست الأدب العربي 
لكن الروح الفلكلورية في بلادنا تطغى على كل شيء
وأنا أفتح الجريدة على اتساعها 
دون أن أقرأ شيئاً ،
وعلى مرمى البصر عربة اليد بالعجلتين الكبيرتين 
يجرها كهل بحماسة شديدة 
مما جعلني أتفكر في بدايات هذا النوع من العربات 
وأتأمل سعي الإنسان الدؤوب لابتداع أساليب جديدة 
وأدوات جديدة 
ومعان جديدة 
ليوهم نفسه بتجدد الحياة ، وتجدد الزمن .
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏‏



السوبر ماركت مغلق ، وعربات النقل تعوي 
..
لماذا هذا التردد الشخصي 
تجاه كل ما أقوم به 
من الذي هدد حياتي 
وفتح الأبواب الدوارة في العتمة 
ذكريات كثيرة نخبئها في أعماقنا 
ونظل طوال العمر حريصين عليها 
فنسترجعها مرات ومرات
وخلسة ، تصعد للسطح 
فنمسك بأول الخيط في المتاهة البعيدة . 
.
دائماً أظل فى المحاولة
وأقضي اليوم منكباً على اللابتوب 
دون أي إنجاز
وكلنا نظل على امتداد اليوم 
في حالة مقايضات كبيرة وصغيرة :
البيوت مرصوصة بأبوابها وشبابيكها 
وخلف الأبواب والشبابيك أعمار تمر ، وأحداث تتوالى 
كانت المرأة تصرخ زاعقة : 
"يا نهار اسود" والنساء من حولها بالعباءات السوداء 
يحاولن التهدئة ويهوِّين على وجهها بالورقة المقواة .
عربات نقل ضخمة بمقطورات طويلة تعبر الطريق 
وأنا لا أعرف ما الذي يمكن أن أفعله 
أمام سور المدرسة ممتداً 
ومن خلفه يظهر الجرس النحاسي المعلق 
وفي الحجرة التي تحت الجرس بالضبط ، حجرة الفصل الصغيرة ، وأبلة "زينب" ذات الوجه الطفولي تبتسم لي ، وتلبسني الببيون الأسود فوق القميص الأبيض ، وتناولنى الشاكوشين الرقيقين الخاصين بالإكسليفون ، وفي مساء اليوم نفسه سأقف على خشبة المسرح المدرسى ، لأظل أدق على الشرائح المعدنية بالشاكوشين ، والجمهور يصفق ، وبعد انتهاء المقطوعة ، كنت أحس بالفخر ، رافعاً رأسي الصغير نحو السماء ، والنجوم نقاط تلتهب بألوان الطيف .  
.
أريد أن أمشي حافياً 
وأن افرد الذراعين وأرقص مثل زوربا اليوناني : 
الحزن المتوحش هو البطل  اليوم  
وأنا أنخرط في عواطفي ، وأوهامي تلاحقني 
الغربة فى حجرتى ، الغربة في سريري 
وهناك بشر كثيرون يمشون 
وقد طأطأوا رؤوسهم
على امتداد الشارع المسفلت
وأنا مختبئ في صديري جدى الفضي الرمادي
بأزراره الكثيرة وجيوبه الصغيرة المتتالية 
ولازالت المرأة تجلس على الدكة :
في قلبها آهة تدور كالبرّيمة 
وفمها لايتوقف عن الصراخ : 
"يانهار اسود"  
"يانهار اسود" .



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‎Amged Rayan‎‏‏

أين ضاعت لبيسة الحذاء 
.. 
الكفوف تكون ممدودة ومضمومة 
ويمكن أن تشير لأعلى ولأسفل 
الكفوف تلتف حول نفسها ، لتخلق معنى الاستفهام 
الكفوف تعمل : "مرحباً" وتعمل : "وداعاً" 
الملاكم يضرب بكفه مضمومة 
والسائق يضع كفيه على عجلة القيادة
الكفوف هي الحياة كلها ، 
وأنا دائماً أبحث عن الكنز 
هناك كنوز مختبئة 
وكنوز تحتاج فقط 
لإزالة طبقة خفيفة من التراب 
وهناك كنوز مستحيلة 
نظل نحلم بها على امتداد العمر .
.
واجهوا الأضواء مباشرة : بعيونكم العارية ، 
وغنوا للورد الذي تفتح في جنائن مصر ، 
ابحثوا عن شاب اسمه "وحيد الطويلة" 
ابحثوا عنه في المقاهي  
وفي الأفراح الشعبية ، أو ابحثوا عنه جالساً : 
بين كتّاب ونقّاد جيلنا الذين اختفوا 
ايحثوا عن الولد "وحيد الطويلة" ولن تندموا 
وعندما يفتح لكم قلبه 
ستعرفون معنى اللحظة 
وستفهمون أخيراً الحكمة التي تقول
بأن كل شىء يذهب هباء 
ابحثوا عن هذا الطفل "وحيد الطويلة" 
لكي تتعلموا واقع التجربة 
ولكي تعرفوا السر الوحيد للحياة : 
ليس هناك اتجاه محدد  .
.
كل شىء كما هو ،
والحقائب الجلدية مرصوصة فوق الدولاب ، 
والنقطة الأولى ضائعة مني دائماً 
لذلك أحس بالفقدان 
أفتح الأدراج وأغلقها :
بحثاً عن لبيسة الحذاء المعدنية 
وفي النهاية لاأجدها ، ولا أجد أي شيء 
وهاهي نفسي كما تعرفونها دائماً 
ضائعة ، كما لم يضع أحد ، 
وأنا لا أعرف أي شىء ، سوى أننى أمشي بكل هذه الحماسة  
منقطعة النظير :
ولكني لا أعرف بالضبط ، إلى أين انا ذاهب ؟
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏بما في ذلك ‏‎Amged Rayan‎‏‏، ‏‏نص‏‏‏‏




تم عمل هذا الموقع بواسطة