الضحكةُ الأخيرة     كريم عبد السلام (مصر)






خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كل لحظة

وليتجمد الدم في شرايينكم

 

تعرفون من سيطرق الباب اليوم أو غداً

بعد ساعةٍ أو بعد لحظة

لا ، لن يستأذن ،

 سيحطم البابَ والأقفال والحواجز ويطعنكم مباشرة

تعرفون من يحوم حول نوافذكم المغطاة بالزجاج الداكن والستائر الثقيلة

تعرفون كيف يتسلل مثل الثواني في الوقت

مثل الغبار في شعاع الشمس


اجلسوا في أماكنكم وانتظروا

ليس أمامكم سوى الانتظار خائفين

من كل حركةٍ

من كل خطوةٍ

من كل التفاتةٍ

كأنها النقلة الأخيرة

وبعدها

يموت الملك المحاصر

وتنتهى اللعبة

والحياةُ

والأوهامُ التي تمنيتم أن تدوم

...........


خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كلَّ لحظةٍ

وليتجمدِ الدمُ في شرايينكم

يا طغاةَ القريةِ والمدينة والبلد

يا أمراءَ الدسائس ، لأن في البدء كانت المؤامرة

يا سماسرةَ أحزابِ العهن المنفوش

يا شيوخ الثعبان الأقرع والولدان المخلدين

يا بلطجيةَ الأمن وكاتبي التقارير وواضعي خرائط المصائر

يا أبواقُ

يا أذرعُ

يا ذيولُ

يا ألسنةُ

يا خراءَ العالم

يا خرافُ وذئابُ في هيئةٍ واحدة

يا قتلةُ وأنتم تتناولون الغداء، والدمُ على أصابعكم

يا مجرمون مع الضحك المتواصل

يا مجرمون إثباتاً لثقب في مخيلتكم لا يعرفه سواكم

يا مجرمون تعويضاً عن سنوات الذلّ

يا مجرمون ليقينكم بأنكم أبناءُ قحبة

يا مجرمون لأن العالم مجرمون ومجرمون أعتى

خافوا

ارتعبوا

يا تجارَ الكلامِ الزائف

والكلام المخصيِّ

والكلامِ المريضِ

يا تجارَ النفاق والشعوذة

يا تجارَ الكيتش النضاليّ للإيقاع بفتاةٍ حالمة

يا تجارَ التبريرات العاهرة لهذه اللحظة واللحظة التي تليها بعشر سنوات

يا تجارَ القبور من أجل حياة أفضل

يا تجارَ الدمِ والأعضاءِ بحثاً عن علامةٍ تجارية ذائعة

يا تجارَ القتل لأنّ القرابينَ ضروريةٌ لربّكم السادي

يا تجارَ الأوبئةِ بحثاً عن التغيير

يا تجارَ الدموع والقهر  

خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كل لحظة

..........

يا عدميون إلا مع البراندي

يا لصوصَ الأرواح بحثا عن الخلاص

يا مخربّي الذممِ لأنّ الحياةَ تقتضى... إلى آخر الأكاذيب

يا بلاغيون من القش والصفيح والفايبر

يا كلابُ مستعدةٌ للتمزيق والنهش دون سببٍ ودون ترددٍ

يا عاجزون إلا عن الشر الدنيء والشر الموحل والشر العدميّ

يا منتحرون منذ سنواتٍ وعائشون لتكرهوا ما فقدتم من براءة

يا منتقمون للمرةِ المليون من الشخص الخطأ في طريقكم للثأر

 يابقايا وأجساد فارغة وأشلاء تتحرك

حانت لحظةُ النهاية

ستموتون وتتعفنون

ببساطةِ النهار

بسهولةِ العشب

بروعةِ الابتسامةِ على شفتيّ فتاةٍ تعترف بالحب للمرة الأولى

........................

خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كل لحظة

وليتجمدِ الدم في شرايينكم

هل تتألمون الآن؟

جربوا هذا الشعور:

خسارةُ كل شيء

المطارقُ التي تضرب أدمغتكم

والعرقُ البارد

والدوارُ

العالمُ الواسعُ ينحسر من جزر الكناري إلى هايد بارك

من تاج محل إلى تايم سكوير

من العاصمةِ المنحنيةِ على الخليجِ إلى العاصمة الراكعةِ على المحيط

لا مهرب

لا ملاذ

لا عاصم

تخسرون

تخسرون

وأنتم ذاهلون في الغرف المغلقة

وأنتم تدورون حول أنفسكم في المكاتب

أنتم المعتادون على القنص

والقضم

والابتلاع

والطعن

والدهس

الدمُ على أفواهكم

والظلامُ في أرواحكم

والزمنُ سائقٌ تأمرونه فيمضى إلى الأمام

انحرفْ يمينا

استدرْ إلى الخلف

لا تتوقفْ عند الناصية

اعبرْ المنطقة الموبوءة بالفقراء

لا نريد أن تتأذّى عيونُنا بالكائناتِ المحكومُ عليها بالهلاك

لا نريد أن تشمَّ أنوفُنا روائحَهم

امضِ أيها الزمن

امضِ بنا أو معنا إلى السهرة

والفتاةِ البرونزية

والكأسِ التي لا تفرغ

لا أحدَ يستطيع إيقافنا

لا حدَّ لنهمِنا

وجشعِنا

وعطشِنا

حتى أنت أيها الزمن

أصبحتَ ملكنا تماماً

أنت فراغٌ ونحن نملؤك بما نريد من الصور والأرصدة والمنتجعات والهيستريا

أنت فراغٌ ونحن نملؤك بالخلود والسكاكين والداعرت والحروب والضحكات

من يقف في وجوهنا

من يستطيع اعتراضنا

.............

خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كل لحظة

وليتجمدِ الدم في شرايينكم

وأنتم تشمون رائحةَ الموت في الهواء

في صوتِ الكوب الذى يفلت من اليد فجأة

ليُحدثَ دوياً أكبرَ من قنبلة

وأعمقَ من مأساة

تشعرون بدبيبِ حوافره على الأرض

وهو يجرُّ منجله الضخم

فيُحدث صريراً لا تستطيعون إيقافه مهما سددتم آذانكم

تعرفون أنه يتنفس إلى جواركم

وراءَكم

أمامَكم

في السقفِ

تحت السريرِ الفخم

خلفَ الستائرِ الحريرية

في ضوء المصابيح

في زجاجةِ الأبسنت

ربما يتسلل إلى داخلكم مع شربة الماء واللقمة الحامضة

ها هو يتمكن منكم

يلتهمكم

يمتلك الأعصابَ

والإشارةَ في اليد

والنظرَ في العين

والطّعْمَ في اللسان

والكابوسَ في الذهن

لا يترك لكم سوى الخوفِ

متى ؟

متى ؟

أين؟

أين؟

من ؟

من ؟

تلفتوا

هرولوا

ابكوا

اصرخوا

اعترضوا

اضربوا الحوائطَ بقبضاتكم

حطموا الكريستال الغالي على الأرفف

وابكوا دماً

ابكوا غضباً

 رعباً

 حسرةً

توسلاً

أملاً

ابكوا

ابكوا

حتى الارتماءِ على الأرض

حتى السكون

حتى السقوطِ فيما يشبه الغياب

قبل الحمى بخطوةٍ

قبل الجنون بساعةٍ

قبل الشلل بدقيقةٍ

قبل الجلطة بثوانٍ

قبل الجريمة بطلقةٍ في الرأس

.................

 

خافوا

ارتعبوا

موتوا في جلودكم كل لحظة

وليتجمد الدم في شرايينكم

والسؤال الكبير يترجرج داخلكم مثلَ فأرٍ في مصيدة

هل انتهينا ؟

أهذه هي الخاتمة

لا يمكن

غير معقول

أرصدةٌ بأصفارٍ كثيرةٍ لم تتحولْ في حساباتنا

من يحصل عليها

قصورٌ في أماكنَ رائعة

تطلُّ على البحر

وترى السهول الخضراء

لم نمتلكْها حتى الآن

يخوتٌ تجوب البحار السبع وتمسك بألف ليلة

من يقودها إلى الشواطئِ الصاخبة

أهذه هي الخاتمة؟

الجلوس في انتظار الإعدام

مستحيل

موظفون كثيرون لم نطردْهم من العمل

أراضٍ شاسعةٌ لم نحرقْها

ورصاصاتٌ جاهزةٌ لإطلاقها على الغافلين،

لنضحكَ من قلوبنا على مناظر سقوطهم المرتبكةِ ورعشات أجسادهم،

لكننا لم نطلقْها بعد

..........

لمن نتركُ البهجةَ والنعيم

الزهوُ بخضوع الأتباع لمن؟

النبيذُ الفاخر لمن ؟

الخلاسياتُ الفائقاتُ النعومة لمن؟

اللحومُ المدخنة لمن؟

كنْ فيكون لمن؟

لذّةُ السرقة لمن؟

النومُ العميق لمن؟

الخروجُ للصيد لمن؟

إغواءُ الفرائس لمن؟

السيرُ على السحاب لمن؟

اليدُ الممتدة إلى أركان الأرض لمن؟

اليقينُ لمن؟

الرقصُ على أوراق الزهور الحمراء لمن؟

اعبدوني فيعبدون لمن؟

الاستعراضُ لمن؟

الاطمئنان الكامل لمن؟

والضحكاتُ الضحكاتُ الضحكاتُ .. لمن؟

لمن؟

لمن؟


تم عمل هذا الموقع بواسطة