روزنامةٌ ضائعة .. عبود الجابري ( العراق )


في الغالب لايخلو الأمر من شحوبٍ ما ، صفرةٌ تعلو مع الغبار كنذير ليرقانٍ يصيب كبد السماء ، الشمس مرارة السماء إذن ، يمكن لنا استئصالها حين تستوطن حصاة عنيدة قلبها أو حين يعترض ضوءها مايجعله ينكسر ويحنُّ الى أبيه قوس قزح ،غالباً مايحدث ذلك عندما يكون للريح لسانٌ آخر ، لسانٌ يشبه ألسنة ( المولينكس) ، أو ألسنة محراث يتوغل في قلب طينٍ طري، الرّيح صرصراُ ، عاتيةً ، عاصفةً ، تحمل في جيوبها ماهو خفيف على الأرض ، الخفيف الذي يسعد بالعلوّ ، الرفعة الزائفة ، و السقوط المدوّي عندما تحنّ الرّيح الى عتمة البئر فتهبط الى قلبه كي تعول هناك كأي ثكلى تتشح بالسواد .

******

_ في السبتِ أحبّكَ
_ في الأحد أكتفي بالصمت
_ في الأثنين أصوم اقتداءً بالسنّة
_ في الثلاثاء أستريح من الحب والصمت والصيام
_ في الأربعاء علي أن أضع خطّة كي أحبّك :
صامتة كيوم الأحد ، صائمةً كيوم الأثنين ، وبي ميلٌ شديد الى تعويض مافاتني من الراحة يوم الثلاثاء .
_ في الخميس يفوتني أن أتذكّرك في زحمةِ الضيوف الذين يقبلون يدي للتبرّك بما تبقّى من الكرامات .
_ في الجمعة لديّ برنامج ثابتٌ للاستحمام ، وتغيير قصّة شعري والتفكير بغداء مختلف عن غداء الجمعة السابقة ، وقد يقودني الضجر الى قراءة صفحتين من كتاب شرعتُ بتمزيق أوراقه ، كلما فرغت من صفحة خلعتها من قلبه ورميت بها في فوضى الغرفة ، لايهم فأنا في جميع الأحوال لا أنام قبل أن أترك المكان نظيفاً.

******

_ في السبت أصحو مبكّراً لأسقي الحديقة ، والتقط صورة طازجة للوردة التي تفتحت للتو ، وأحتفظ بها في كتاب الساعات القادمة ، قد أرسلها لك فتتكاسلين عن النظر اليها بدعوى أنّك مشغولة بتسطير خطاب حبٍّ ممزوج برائحة القهوة.
_ في الأحد أمشي لمسافة عشرة كيلومترات بحثاً عن شارع يخلو من البشر والعربات كي أحسن الانصات لصمتك .
_ في الأثنين أطبخ النهار على حطب الملائكة وأقدمه فطوراً لك ، تكريماً لصومك المقدّس.
_ في الثلاثاء ألمّع أحذية أفكارك ، بينما تسيرين على اوراقي بجوربين من حرير.
_ في الأربعاء أكتب قصيدة وأمزّقها ، فأنا كذلك أضع خطّة فاشلة ليومي القادم .
_ في الخميس أرسل شفتي تقبلان يديك ، على فرض أنّي أولى من الغرباء بما تبقى من الكرامات .
_ في الجمعة أجلس عند باب المنزل ، واتطلّع الى جيراني الذين يخرجون الى المسجد بدشاديش بيضاء وطاقيات بيضاء كذلك ، أقلب قلوبهم المرسومة في عيونهم واستغفر الله ثم أتبعهم الى المسجد .

******

أنتِ إذن تضيقين ذرعاً بمن يسير على يمين الشارع ، تكرهين خطوط العبور وعوادم السيارات ، ولاتخرجين الى البلكونة عندما تموء قطّة أو ينتحر عصفور يضلُّ الطريق الى عشّه ، لاتنشرين غسيلك هناك ، ولا تعرفين لون الدرابزين منذ سكنت المنزل المؤثث بي أنا ،بقططي وعصافيري وبالغبار الذي يعلو الدرابزين عالقاً ببنطالي الأسود ، لم يحدث أن رأيتك تمسحين الأرض بخرقة يابسة وتنهضين لبرهة كي تصلحي من شأن صدرك حين يندلق في غربة العيون ، لم يحدث أن رآك حارس العمارة وأنت بثياب البيت منكوشة الشعر تمدين نصفك الأعلى من زاوية الباب كي تدلقي سطلَ الماء المخلوط بالهايبكس على ناصية الطريق ، لم يحدث أن ندهت على عابرٍ كي يعيد اليك شرشفاً هارباً من حبل غسيلك الى الأرض ، لم يحدث أن قتلت صرصاراً أو طبعتِ بعوضة على حائط ، لم يحدث ذلك كلّه ، لم يحدث هذا كلّه ، فكيف لي أن أرسمك بوضوح ؟ كيف أغنّي لك وأنتِ تسكنين في قفص من الإشارات؟
في قلب تمثال من القطن ؟

تم عمل هذا الموقع بواسطة