محمد حبشي يكتب: .أناشيد " هوميروس " الأخيرة

                              
لم تكن علاقتي ب " كلوديا شيفر " وطيدة ، 
إلى الحد الذي يزعجه ، 
أو يثير غضبه ، 
أو يستدعي مني الثأر ..
فلم أُقَبِّلها إلا مرةً واحدة أثناءَ الرقص ، 
عندما تقابلنا صدفةً ، 
على غلاف مجلة "رولينج ستون" ..
ولم أضاجعها إلا مرتين فقط 
- دون عنف - 
في أحد الأحلام ..
التي منعتها الرقابة من العرض ..
فلماذا يخبر "ريتشارد جير" ، 
عن علاقتي آنذاك ، 
بزوجته السابقة "سيندي كروفورد" ..
ويحدث أمير موناكو ، 
عن خلافاتي الدائمة مع " ناعومي كامبل " ، 
بسبب غيرتها الزائدة ، 
ولماذا يزرع الساحر الشهير ، 
بجمجمة رجل ، 
نصف ميت ، نصف حي ، 
شريحة إلكترونية بحجم رأس الدبوس ، 
ليتتبع خطواتي ، 
ويكشف في بث مباشر ما تحويهِ رأسي من آلام ، 
وما يدورُ فيها من أحلام ..
سأفرغ الآن ما في رأسي أمام العالم ،
وأفسد عليه العرض ..
.
.
.
1-  في رأسي نافذةٌ ، 
أطلُ منها على الغيب ..
وحوضٌ زجاجيٌّ فارغ ،
تسبحُ فيه الأحلام مع أسماك الزينة .. 
ورغباتٌ مفترسة ، 
تنظر إليها بشهوة طوال الليل ،
تنتظر أن تخلع ملابسها خلف الأعشاب ، 
كي تتوسدَ عاريةً سطحَ الماء ..
.
.
2-  في رأسي أنينُ شوارع ، 
وبكاءُ حارات ، 
وهزائم وانكسارات ..
وميادين ، 
تسبُّ للمتظاهرين الدين ، 
وأشجار ، 
تلعنُ القنابلَ المُسيلةَ للدموع ، 
والعطش والجوع ، والشعارات ،
وعوادم السيارات ..
وأفكارٌ شاردة ،
تكرهُ مثل أينشتاين ميكانيكا الكَم ، 
ونوافير الدم ..
.
3-  في رأسي تمثالٌ لزعيم ، 
يأخذُ حقنةً من الأسمنتِ ثلاثَ مراتٍ يومياً ، 
قبلَ الأكلِ وبعدَ القتل ..
ويتركُ باقيَ التماثيلِ بلا ترميم ،
آيلة للعدوى والسقوط .. 
بلا قفازاتٍ أو كمامات ، 
بعد أن أهدى باسم الشعوب المحبة للسلام ، 
كاملَ المخزونِ إلى العمِّ سام ،
تأكيداً للمحبة ، 
وفروضِ الطاعةِ والوباء..
.
.
4-  في رأسي طيورٌ للظلام ، 
فَرَّت من قاعات السينما ، وشاشات العرض ،
وأشرطة الأفلام ..
تنشرُ الرعبَ في المدينة ،
تحلقُ فوق السحاب ،
تبُولُ على رأسَيّ شريف عرفة ، 
ووحيد حامد ،
تبصقُ في وجه عادل إمام ،
ثم تقذفُ قبرَ هتشكوك بالحجارة .. 
.
.
5-  في رأسي مواءُ قططٍ ، 
ونباحُ كلاب ..
ومدائن للموتى ، 
يقيمها تجار السلاح ، 
بعد كل هزيمة لشهداء الحرب ..
.
.
6-  في رأسي حياة ٌ مُزَوَّرَة ..
ومدينةٌ مُسَوَّرَة ، 
تسكنُهَا الأسُودُ والأفاعي ، 
وتحرُسُهَا الذئابُ ، والجنودُ الجارحة ..
.
.
7-  في رأسي إعلانٌ عالمي للمناخ ..
لا يحترمه الأغنياء ،
وجماجم صديقة للبيئة ، 
وهياكل عظمية لا تدخن بالأماكن العامة ، 
أو المقابر المغلقة ،
ولا تنفث دخان سجائرها في وجه الحدائق ، 
أو تصرف دموعها في مياه البحر ..
.
.
8-  في رأسي نهرٌ للأحزانِ ، 
بطولِ التاريخ ، 
وعرض مزرعةٍ للبطيخ ،
تتشحُ بذورُها بالسوادِ من ألف عام ، 
أحقنُ في مواسم الحصاد شرايينها بلون الدم ، 
وأطلي سورَها الخارجيّ قبل البَيع ، 
بدرجاتِ الأخضر ، 
كمصيدةٍ للحالمينَ بدخولِ الجنة ، أو الشراء..
.
.
9-  في رأسي رجالٌ للشرطة ، 
يتسللون من ثقبِ رَصَاصَة ، 
أطلقها ضابطٌ أحول ، 
كان - كما زعموا - يحاولُ الانتحار ..
ينبشونَ نفايات الماضي ، 
يبحثونَ في أعماق الذاكرة ، 
عن قميصِ نومٍ أحمر ، مُلطخاً بالدماء..
لامرأةٍ خائنة ، 
قتلتُهَا في حلمٍ سابق.. 
.
.
10-  في رأسي ثلاثُ صُوَرٍ قديمة ، 
أحاول نسيانها منذ زمان ..
عثر عليها الأوغاد ، 
قالوا أنها تصلحُ لقصيدة ، 
وربما - بعد كتابتها - كدليل اتهام ..
لا أدري ماذا يفيدُ هؤلاءِ المرضى ، 
صورةِ طفلٌ يتيم ، 
فقدَ أمهُ أثناءَ الولادة ، 
فرسمَ ثدييها على وسادتِهِ ،
وخبأ بينهما دموعَهُ وقتَ الرضاعة ، 
وكان حين يشعر بالخوف..
يحضن صورتها المعلقة بخزانةِ ملابسِهِ ،
ويدفنُ جوعَهُ بجَيبٍ سري ، 
أسفلَ شقٍ بالصدر ..
أو بصورةِ شابٌ متطرف ، 
كان يرسلُ لحبيبته كل صباح 
خطاباً غرامياً ، مع قُبلة ، وباقة ورد..
وبعد عودته من أفغانستان ،
أصبحَ يرسلُ إليها خطاباتٍ برائحةِ البارود ، 
ويضع لها كل مساء ، 
بداخلِ صندوق البريدِ قنبلة .. 
أو بصورةِ شيخٌ عجوز ، 
لا يملكُ قطيعاً من الغنم ، 
ويتوكأ على عصًا ، 
يهشُ بها الذبابَ من حوله ، 
ويضعها بين فخذيهِ عند الضرورة 
- بشكلٍ عمودي - 
كنُصُبٍ تذكاريٍّ لشهيد ..
.
.
11-  في رأسي وتحتَ الجِلد ، 
حياتٌ تسعي ،  
ألفُ " كوبر فيلد " ..
محمد حبشي / مصر ..
( 25 - 4 - 2020 ) — 12 : 10 مساءا ..
———————————————————
* تساؤلات على هامش النص :
                                       ——————————————
لم أتهمه بالخداع ، 
عندما أخفى تمثال الحرية ، 
خلف سحابة عاهرة تعشق ال ( CIA ) ،
وتنتظر أمام البيت الأبيض ، 
أوامر أحد القوادين من نجوم البنتاجون ..
ولم أتهمه بالغش ،
عندما أعاد مكانه نسخة مزيفة ، 
صنعت - طبق الأصل - في ليبيا واليمن ..
ولم أتهمه بالتدليس ، 
عندما عبر من خلال سور الصين العظيم ، 
وهو يقف أمامنا على المسرح ، 
بينما جيوشه تعبر نهري دجلة والفرات ..
ولم أتهمه بالنصب والاحتيال ، 
حين استعار اسم الشهرة ، 
من عنوان رواية لتشارلز ديكنز ، 
دون أن يمنح ورثته حق الأداء العلني ، 
أو بعض الدعوات المجانية لحضور حفل افتتاح ، 
ثورات الربيع العربي ..
فلماذا يضعني " دافيد كوبر فيلد " 
على قوائم الإرهاب ، 
ويتهمني بالخيانة لمجرد علاقة عابرة ، 
مع زوجته في الحلم ..
ولماذا يزرع في قلبي حقلاً للألغام ، 
بمساحة وطن ؟ ..

تم عمل هذا الموقع بواسطة