يحقُ لكَ ويليقُ بكَ أن تزهو بدراجتكَ
حين تمرُّ , وانت تصفّرُ , أمامَ بحارةٍ سكارى
يسخرونَ من المارّة .
تخرجُ كل صباحٍ لأن الشمسَ بخيلةٌ معك
لا تلقي إلا القليلَ من أشعتها عليك
حيث تسكنُ , فتلاحقُ أخريات في هذا الميناء :
كنتَ تعدو وبعد سنواتٍ بدأتَ تهرولُ
ثم مشيتَ لأعوامٍ , وها تتنقلُ بدراجةٍ قديمة
إشتريتَها في كركوك قبل نصف قرن
*
إصغِ إليّ , هنا أيضاً زنابق , ياسمين , يمامة ,
الحسّون وألأوز العراقي
تبجحكَ لم يعد يعني شيئاَ
ليست مهمةً بصيرتكَ الداخلية , أو ممرضة مغرمة بكَ ,
وحملكَ ماءً كل مساء الى عش سنونو .
يهمّ انك مازلتَ تخالفُ ميولَ يدكَ التي تكتبُ ,
تخفي شبحاً عثرتَ عليهِ في سردابٍ
وتظنُّ فيه الكثير منك
وأنكَ تسمعُ , في وضوحٍ ورغمَ عمرك ,
نواحَ قطارٍ في أواخر الليل ,
في بلدةٍ لا يراها ولا يعرفها غيرك
*
من امامِ مستشفى حملتُ الى بيتي طاولةً للتشريح
بعدما غافلتُ حراساً , رأيتُ ممرضةً تجفلُ
ووجوه أطباءٍ ينظرون إليّ وكأنهم في مأتم .
لم افعل هذا قبل إستشارة غرائزي
أنا قليل الصبرِ , أصرُّ على حقوقي من أشياء هذا العالم ـ
أكرهُ المستشفيات ويجدرُ بي أن اٍسرقَ منها دائماً
فهي لقتل ألأموات :
أضع كتبي , أوراقي , عليها
كمبيوتري ويتطلعُ كلبي إليّ حائراً
أذهبُ الى حِدادٍ على حصان في قريةٍ قريبة ,
في الطريقِ أصادفُ ديلان توماس , صديقي ,
يغني وسط سكارى
- أهذا ما كنتَ تريد ياديلانُ ?
- خرجتُ من قبري لأغني لرياحٍ وأشجار
إلتقيتُ هؤلاء الهاربينَ من سجن
أنا أثمّنُ شجاعتهم واحتفي بها .
أمضي وانتبهُ , بعد دقائق ,
الى فراشةٍ بيضاء وكبيرة , تحومُ حولي
أجلسُ لأتعرّفَ عليها وألبي ما تريد
*
لم تعد المتاريس تفيد
ولا الكهوف ـ تعلّم الجنودُ دهاء الصيادلة
وذرائع الممرضات .
لم يعد يفيدُ تآخيكَ مع حفاةٍ ونشالين ,
وتتخيّل ما يجري خلفَ أبوابٍ موصدة .
عدْ إلى بيتك ، إفرح بما بقي من زهورٍ في غابات ,
إستمعْ الى أولادٍ يغنونَ في زقاق
ولتحنِ رأسك لأمٍ تهزّ مهداً بقدميها
*
ليس هناك منفى
في الطرف الاخر من هذا المحيط
او في اي مكان .
انه فيك ، تلاله تتكلم
باصوات حراس قساة
مناراته شاهقة ، بلا اضواء
وفي شرفاتها شعراء المراثي
لا يراهم ولا يسمعهم احد
*
قضيتُ حوالى نصف عمري في هذه الجزر ومدنها الملوّثة ,
أحببتُ مزارع الرز , تعودتُ على السمك المجفف
وخداع الفتيات
فجأة تغيرتُ حين ظهرَ , ذات ظهيرة ,
بوذا مع نمرٍ عند المحيط
كانا يتحاوران حول الصمتِ وممالكه الشاسعة ,
مقدرة الاشجارِ على الغناء
والقوارب على ألإبحارِ وحدها
ثم جاءني في منامي , نشوانَ ويبتسمُ
لم يكن يرتجفُ من البرد , إعطاني برتقالة
وملأ جيوبي بحصى ملوّنة
عند استيقاظيُ وجدتها في كفيَّ , نظيفةً وليّنة ,
إلتهمتُ بعضها في فطوري
*
انا رجلٌ موهوبُ في النصف ألأول من الليل :
أعرفُ متى تُضاء الشوارع .
في النصف الثاني يبهجني مشهدُ لصوصٍ
يعودون الى بيوتهم , مع غنائم قليلة
أو عمالٍ , بلا معاطف , ينقلونَ توابيتَ رخيصة
من سفينةٍ وصلت ليلة أمس
*
مترفٌ , بلا أسرة , وظيفة
أو هموم ، أكتبُ أشعارأ في قطاراتِ أنفاقٍ أتخيلها
أنفقُ راتبي التقاعدي على طالباتِ من جامعة
أتقبّلُ من جيراني طعاماً وفواكه
ولا يهمني أن يعرفّ أحد هذا
--------------------
الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا الوباء
هي في فحص كل البشر في هذا العالم
وتشخيص المصابين , ربما بالملايين ,
والبدء بعلاجهم ببلازما المتعافين
وبادوبة ولقاحات, بهدوء وصبر .
هذا سيتغرق سنوات طويلة , لكن
لاملاذ اخر مع الاسف , وعلينا اعادة
التفكير في اسلوب تعاملنا مع الطبيعة
وتغيير طريقة عيشنا وعملنا وتعلمنا .
علينا , ليس فقط تغيير العالم وحده,
وانما الحياة أيضاً .