مختارات للشاعر العراقي: صلاح فائق


يحقُ لكَ ويليقُ بكَ أن تزهو بدراجتكَ 
حين تمرُّ , وانت تصفّرُ , أمامَ بحارةٍ سكارى
يسخرونَ من المارّة .
تخرجُ كل صباحٍ لأن الشمسَ بخيلةٌ معك
لا تلقي إلا القليلَ من أشعتها عليك
حيث تسكنُ , فتلاحقُ أخريات في هذا الميناء : 
كنتَ  تعدو وبعد سنواتٍ بدأتَ تهرولُ
ثم مشيتَ لأعوامٍ , وها تتنقلُ بدراجةٍ قديمة 
إشتريتَها في كركوك قبل نصف قرن
*
إصغِ إليّ , هنا أيضاً زنابق , ياسمين , يمامة , 
الحسّون وألأوز العراقي
 تبجحكَ لم يعد يعني شيئاَ
ليست مهمةً  بصيرتكَ الداخلية , أو ممرضة مغرمة بكَ , 
وحملكَ ماءً كل مساء الى عش سنونو . 
يهمّ انك مازلتَ  تخالفُ ميولَ يدكَ التي تكتبُ ,
 تخفي شبحاً عثرتَ عليهِ في سردابٍ 
وتظنُّ فيه الكثير منك 
وأنكَ تسمعُ , في وضوحٍ ورغمَ عمرك ,
نواحَ قطارٍ في أواخر الليل , 
في بلدةٍ لا يراها ولا يعرفها غيرك
*
من امامِ مستشفى حملتُ الى بيتي طاولةً للتشريح
بعدما غافلتُ  حراساً , رأيتُ ممرضةً  تجفلُ 
ووجوه أطباءٍ ينظرون إليّ وكأنهم في مأتم .
لم افعل هذا قبل إستشارة غرائزي
أنا قليل الصبرِ , أصرُّ على حقوقي من أشياء هذا العالم ـ 
أكرهُ المستشفيات ويجدرُ بي أن اٍسرقَ منها دائماً
فهي لقتل ألأموات :
 أضع كتبي , أوراقي , عليها
كمبيوتري ويتطلعُ كلبي إليّ حائراً




أذهبُ الى حِدادٍ على حصان في قريةٍ قريبة ,
 في الطريقِ أصادفُ ديلان توماس , صديقي ,
 يغني وسط سكارى
- أهذا ما كنتَ تريد ياديلانُ ? 
- خرجتُ من قبري لأغني لرياحٍ وأشجار
إلتقيتُ هؤلاء الهاربينَ من سجن  
أنا أثمّنُ شجاعتهم واحتفي بها .
أمضي وانتبهُ , بعد دقائق , 
الى فراشةٍ بيضاء وكبيرة , تحومُ حولي
أجلسُ لأتعرّفَ عليها وألبي ما تريد
*
لم تعد المتاريس تفيد
ولا الكهوف ـ تعلّم الجنودُ دهاء الصيادلة
وذرائع الممرضات .
لم يعد يفيدُ تآخيكَ مع حفاةٍ ونشالين ,
وتتخيّل ما يجري خلفَ أبوابٍ موصدة .
عدْ إلى بيتك ، إفرح بما بقي من زهورٍ في غابات , 
إستمعْ الى أولادٍ يغنونَ في زقاق
ولتحنِ رأسك لأمٍ تهزّ مهداً بقدميها
*
ليس هناك منفى 
في الطرف الاخر من هذا المحيط
 او في اي مكان  .
انه فيك ، تلاله تتكلم
باصوات حراس قساة
مناراته شاهقة ، بلا اضواء
  وفي شرفاتها شعراء المراثي 
  لا يراهم ولا يسمعهم احد
*


قضيتُ حوالى نصف عمري في هذه الجزر ومدنها الملوّثة ,
 أحببتُ مزارع الرز , تعودتُ على السمك المجفف
 وخداع الفتيات
فجأة تغيرتُ حين ظهرَ , ذات ظهيرة , 
بوذا مع نمرٍ عند المحيط
كانا يتحاوران حول الصمتِ وممالكه الشاسعة ,
مقدرة الاشجارِ على الغناء 
والقوارب على ألإبحارِ وحدها 
ثم جاءني في منامي , نشوانَ ويبتسمُ
 لم يكن يرتجفُ من البرد , إعطاني برتقالة
وملأ جيوبي بحصى ملوّنة
عند استيقاظيُ وجدتها في كفيَّ , نظيفةً وليّنة ,
إلتهمتُ بعضها في فطوري
*
انا رجلٌ موهوبُ في النصف ألأول من الليل :
أعرفُ متى تُضاء الشوارع .
 في النصف الثاني يبهجني مشهدُ لصوصٍ
يعودون الى بيوتهم , مع غنائم قليلة
أو عمالٍ , بلا معاطف , ينقلونَ توابيتَ رخيصة
من سفينةٍ وصلت ليلة أمس  
*
مترفٌ , بلا أسرة , وظيفة
 أو هموم ، أكتبُ أشعارأ في قطاراتِ أنفاقٍ أتخيلها
 أنفقُ راتبي التقاعدي على طالباتِ من جامعة
أتقبّلُ من جيراني طعاماً وفواكه
ولا يهمني أن يعرفّ أحد هذا


--------------------



الطريقة الوحيدة للتخلص من هذا الوباء
هي في فحص كل البشر في هذا العالم
 وتشخيص المصابين , ربما بالملايين ,
والبدء بعلاجهم ببلازما المتعافين 
 وبادوبة ولقاحات, بهدوء وصبر  .
هذا سيتغرق سنوات طويلة , لكن 
لاملاذ اخر مع الاسف , وعلينا اعادة
التفكير في اسلوب تعاملنا مع الطبيعة
وتغيير طريقة عيشنا وعملنا وتعلمنا .
علينا , ليس فقط تغيير العالم وحده,
 وانما الحياة أيضاً .


تم عمل هذا الموقع بواسطة