( الجسد : تلك الثمرة المحرمة ) قراءة في نص نهاد خدة  | بقلم: محمد نصر

" كنتُ كنزا مخفيا فأردت أن أُعرف فخلقت الخلق " حديث قدسيّ 
للحق لم أجد أنسب من هذا الحديث القدسيّ للولوج لنص أيروتيك ليبدو الأمر أكثر جنونا .. هذا الحديث الذي وضع قانون التجسيد الأول ، فالحق سبحانه لم يظهر بذاته وإنما حينما أراد أن يُعرف خلق صورة مجسدة ، ووضعنا – نحن البشر – بين نقيضين : المثال والصورة ، وأصبح للخلق أيضا معنيين : صورة ذهنية وصورة جسدية .. حتى في الخطيئة الأولى تمثلت أيضا على صورة جسدية " فلا تقربا هذه الشجرة .. " قرآن كريم .. ولأن المثال أو الميتافيزيقا أو الما وراء أو كل اسم للمثال الذهنيّ مستمد من هذا الكنز المخفيّ أصبح الإنسان ينظر للصورة الجسدية نظرة دونية ، وظل الإنسان على مدار تاريخه البشريّ بين النقيضين : بين مثالية هيجل والجدلية المادية لماركس .. بين وجودية سارتر واستشراق السهروردي، ووقفنا عند حدود دونية الجسد في كل شيء. 
وعلى خلاف السائد تظهر في الأفق قصيدة ترفع من شأن الجسد وتمجده لتقول لنا أن ثمة اتصالا بين المثال والصورة ، وأن كليهما عظيم لا يحتقر. هذه النصوص التي أطلق عليها الآيروتيك. وهذا الاتصال أردت أن أبينه من خلال  هذه اللوحة أسفل الدراسة، والتي من خلالها تستطيعون التعرف على الاتصال بين السماويّ " اللون الأبيض " وبين الأرضيّ وامتداد اللون ليصل إلى الأرض .. هكذا هي العلاقة في تجلّيها الحقيقيّ .اتصال بين السماء والارض . بين الخيال والواقع . بين الروح والجسد. فقصيدة الآيروتيك تنتصر للجسد ولا ترفض الجمال .. قصيدة الآيروتيك تقول: إن هناك اتصالا بين السماويّ والأرضيّ .. تنتصر للأرضيّ لأنكم تحتقرونه ببساطة .
ولأن قصيدة الأيروتيك صادمة لكل معتقداتنا فإن المتلقي دائما تتنازعه النظرة الدونية في مواجهة تلك النصوص ، ويلجأ في الغالب إلى أحكام أخلاقية أو عقائدية للحكم عليها حتى يتسنى له أن يكون متوافقا مع ذاته التي جبل عليها . هذه هي الصدمة المعتادة في مثل تلك النصوص .  لكن شاعرتنا نهاد خدة لم تقف عند حدود تلك الصدمة وحدها . هي أرادت من أول النص أن تصدم قارئها ، أن تهزّ قناعاته الراسخة في نصٍ بلا عتبة تستطيع من خلالها استشراف ما هو قادم في النص ، وتدخل النص لتجد أمامك جملة تركل خصيتيك : 
" أريد ان أنام معك " 
جملة عادية لا جمال فيها ؛ لكنها بالنهاية صادمة لامرأة توقّع باسمها على النص وبصورتها في تحدٍ واضح ، ودعوني هنا أسأل بعض التساؤلات الهامشية : 
ماذا لو قال هذه الجملة رجل ؟
ماذا لو قالها شاعر ليس عربيا ؟ 
ماذا لو قرأنا مثل هذا النص مترجما عن شاعر فرنسيّ مثلا؟
هل ستكون أحكامنا هي نفس الأحكام على النص وكاتبته ؟
أظن أن الأمر مختلف وعلينا جميعا أن نبحث عن الأسباب . ونعود للنص لنقرأ : 
أريد أن أنام مَعك 
نسكب الوقت في قلة طين ونرميه في البئر 
لأستفرد بك 
الظفر يبحث عن أرضه الشاغرة 
ولسان المجنون يبحث في تجويفة الفم عن صواب 
هذا المدخل الذي أوردته الشاعرة في نصها كأنها تقول إن ما ستقرؤونه هو رحلة الطين .. هو انتصار للطين على حساب الروح .. الطين الذي تحتقرونه .. هذا النص ملحمته الخالدة ، وفي مجاز متداعٍ تقول أن الظفر يبحث عن أرضه واللسان في تجويفة الفم يبحث عن صواب .. هي رحلة حسية للأرض والطين .. هى رحلة الجسد التي لا تقف عند حد . استخدمت فيها الشاعرة كل أجزاء الجسد ( الظفر – اللسان – الأيدي – النهد – الأسنان – الدموع – الدم – الأصابع – الزند – الساق )  
لقد استطاعت الشاعرة ببراعة أن تسحب اللغة والمجاز في لعبتها تلك حتى كأنك تشعر أن الجسد لغة أو مجاز ، أو أن المجاز واللغة جسد . هذه اللعبة الفنية أضافت جمالا غير مسبوق وإبداعا وتجاوزا لما هو سائد في كثير من نصوص الآيروتيك : 
أريد أن أنام معك 
عاريين حتى من المجاز 
هنا أصبح المجاز غطاء للجسد والتصاق المجاز بالجسد هو ما يضعنا في السائد من خلال نظرتنا لدونية الجسد .
أو حينما تقول : 
ولسان المجنون يبحث في تجويفة الفم عن صواب 
وهذه الصورة من أغرب الصور الفنية التي قرأتها .. ما الصواب الذي يبحث عنه اللسان وكأن في هذا المشهد ما هو صواب وما هو خطأ ، وأن ثمة طريقا وحيدا للصواب عليك أن تبحث عنه في مثل هذا المشهد ، وقد تتداعى أيضا فكرة الصواب في الرأي أو الكلام الصائب وهذا التداخل الحسيّ للسان والبحث في الفم يوصل لكل هذا ، والصورة الفنية كلها تحتمل كل هذه التأويلات مما يعطيها زخما كبيرا ودهشة أيضا . 
وللحق أقول إن الشاعرة اعتمدت في أغلب النص على المجاز ، ويكاد كل سطر في هذا النص لا يخلو من مجاز مختلف ومدهش : 
الأيدي ... تمشط الضفيرة السميكة للوحدة 
النهد يرفض حظر التجوال ويطل برأسه 
الليل نحن إذا انتصف الليل 
اللسان النزق يهطل نزولا تلالا ممزقة ( هنا يجب تصويب كلمة تلالا ) 
والكثير من المجاز الرائع والبكر وهذه سمة قصائد الآيروتيك التي تتخذ من الجسد مآلا لخلق مجازها الخاص .
سمة أخرى في هذا النص لجأت إليها الشاعرة باقتدار كبير : وهي استخدام موسيقا  ظاهرة في حالة النشوة : 
إيداع / استرجاع 
إيقاع / 
اتساع / وجذع خائر القوى ملتاع 
... 
.... 
.... 
وكأن الشاعرة أرادت أن تقول إن في حالة النشوة ليس هناك سوى الموسيقى ، سوى الرقص على إيقاع النشوة ، وهذا في ظني كان اختيارا موفقا للغاية حتى وإن كانت الموسيقى الظاهرة تلك تخالف بنية قصيدة النثر بالأساس .
وكذلك يظهر في الخلف سمت آخر من بين السطور وهى حالة الفقد والوحدة والتي ظهرت في هذا النص بشفافية غير مرئية .. فنجد الشاعرة تقول : 
الأيدي التي تعرف طريقها في العتمة 
تمشط الضفيرة السميكة للوحدة 
أو حينما تقول : 
والأسنان الغاضبة كلما مرت على ضفاف الصدر 
تفرج عن الدموع المحتجزة هناك 
بالفعل نحن أمام نص ثري نحتاج فقط أن نجرد أنفسنا من كل شيء للدخول إليه .. " ادخلوا النص عراة لتروا جمال" 
أقولها وأعلم أن هناك من يقف على حدود المثال لا الصورة سيقول متهكما : نعم " عراة " مناسبة لدخول مثل هذا النص .
وأخيرا .. أرجو أن تعدل الشاعرة كلمتي " تلالا" ، " مجازان " 
وأتفق أيضا مع الشاعر الجميل الأخضر بركة : أن السطر الأخير لا يضيف شيئا بل هو حمل ثقيل للغاية على النص . إليكم النص الممتع 
أريد أن أنام مَعك 
نسكب الوقت في قلة طين ونرميه في البئر 
لأستفرد بك 
الظفر يبحث عن أرضه الشاغرة 
ولسان المجنون يبحث في تجويفة الفم عن صواب 
نرد الباب 
الايدي التي تعرف طريقها في العتمة 
تمشط الضفيرة السميكة للوحدة 
النهد يرفض حظر التجوال ويطل برأسه 
والأسنان الغاضبة كلما مرت على ضفاف الصدر 
تفرج عن الدموع المحتجزة هناك
النبيذ اشتعل في دمي 
وضراوة النظر تَشي بِجَشَع مُسْتتر 
لتداهم عُرِيي 
اللَيل نَحن اذا إِنَتَصَفَ اللَيْلْ 
اريد ان انام معك
عاريين حتى من المجاز 
عاريين على عش عائم
الموج المتلاحق على خليج حار
الحِجر 
على الحِجر
اللسان النزق
يهطل نزولا
تلال ممزقة 
و
الاصابع ملهاة 
كالبجع يرقص على بحيرة الالوان 
و الزند الممدود يرفع الساق 
ليقطف فاكهة السماء 
اذا امتطى صهوة الجواد 
جن الجواد 
واذا نزل ليستريح 
تصرخ مدنه الجائعة إليه 
غاباتي هذه قدمتها لتحرقها 
فلا تجعل نارك رحيمة 
وان اغرتك القمم لتتسلقها 
لا توجد الكنوز المنهوبة الا في جوف قصور قديمة
ايداع /استرجاع /
ايقاع /
اتساع / وجذع خائر القوى ملتاع 
انتجاع /استزراع /ارتفاع /اوجاع 
/إسراع /استمتاع /ارضاع / و جسد منصاع
جنتي مؤجلة هذه 
رجل حار وحدنا في مضجع 
مجاز 
مجازين 
ثلاث 
لنرم الملاعق ونكمل الاكل بالأيدي
من قصعة الجنس لا يساورني ابدا الشبع
نهاد خدة 
الجزائر 


تم عمل هذا الموقع بواسطة