قصيدة النثر ...الجذور والنسب .. احمد يعقوب ( فلسطين)




سنحاول بإيجاز تقديم  ملخصا موجزاُ لها ،من حيث تعريفها ورؤاها وشكلها ومضمونها ،وأبرز مؤسسيها والمنظرين لها عالميا وعربيا.


بودلير مؤسس قصيدة النثر ، فهو يذكر رؤيته لتلك القصيدة في رسالته  إلى صديقه "آرسين هوساي" رئيس تحرير صحيفة"لا برس "، التي نشرت القصائد العشرين الأولى من ديوانه "أزهار الشر" .وفي هذه الرسالة[1] يقول بودلير :

 

" صديقي العزيز، أرسل إليك عملاً صغيراً، ليس بمقدور المرء أن يقول عنه، دون ظلم ،أنه لا ذيل له ولا رأس . وعلى العكس من هذا فإن له رأساً وذنباً في الوقت نفسه، بالتناوب وبالتبادل.

 

أرجوك أن تتأمل مدى روعة أسباب السعادة ،التي يقدمها التأليف إلى الجميع، إليك وإليّ وإلى القارئ، ، فنحن نستطيع أن نقطع حيث نشاء ، أقطع أنا أحلامي ، وأنت تقطع المخطوطة، والقارئ يقطع قراءته ،لأني لا أعلق الإرادة العنيدة لهذا الأخير على خيط لا ينتهي في حبكة لا طائل من ورائها. احذف فقرة من هذا الخيال المؤلم ، وستلتئم القطعتان دون ألم، هشمه إلى شظايا كثيرة ، وسترى أن كل شظية يمكنها أن توجد بمفردها ، وعلى أمل أن يصبح بعض هذه القطع حياً ، بما يكفي لإمتاعك والترويح عنك ، فإني أجرؤ على إهداء الثعبان إليك بأكمله.

 

وعندي اعتراف بسيط أقدمه لك ، وهو أنه عند تصفحي للمرة العشرين على الأقل لديوان " جاسبار الليل" الشهير لـــ"ألوزيوس بيريتران" (وهو كتاب معروف لك ولي ولبعض أصدقائنا، أليس له كل الحق في أن يسمى شهيرا؟).

 

جاءتني فكرة أن أقوم بتجربة شيء مشابه ، وأن أطبق على وصف الحياة الحديثة- أو بالأحرى حياة حديثة أكثر تجريداً - النهج الذي طبقه في تصويره للحياة القديمة ،والمليئة بالصور على نحو غير مألوف.

 

من منا لم يحلم أيام طموحه بمعجزة نثر شعري ،موسيقى بلا إيقاع وبلا قافية، أكثر مرونة وأشد تفاوتا في اللفظ ، ليتلاءم مع الحركات الغنائية للروح و تموجات الأحلام وقفزات الوعي؟

 

فمن معايشة المدن الكبرى خصوصا ، ومن تشابك علاقاتها التي لا تحصى، ولد هذا المثال المؤرق. وآنت نفسك يا صديقي :ألم تحاول أن تترجم الصرخة الحادة لصانع الزجاج في أغنية ،وان تعبّر في نثر غنائي عن كل الإيحاءات المحزنة ،التي ترسلها هذه الصرخة إلى حجرة السقف ،عبر الضباب بالغ الارتفاع في الشارع؟ .

 

ولكن لأقول الحق : إني أخشى ألا تكون غيرتي قد حملت لي حسن الحظ، فما أن بدأت العمل حتى أدركت أنني لم أبق فقط بعيدا تماما عن نموذجي الغامض الباهر، لكنني أدركت أيضاً ، أنى صنعت شيئا ما (إذا كان يمكن تسميته شيئا ما) مختلفاً على نحو فريد، وهي صدفة كفيلة بجعل الآخرين جميعاً ، إلاّ أنا ، يشعرون بالفخر دون ريب، ولكنها لن تستطيع إلا أن تحط بعمق من شأن روحٍ ترى أن أعظم ترف للشاعر هو أن ينجز بصورة صحيحة ما خطط لتحقيقه".

 


 

صديقك المخلص شارل بودلير

 


 


 


 

وتقول سوزان بيرنارد[2]  :"في قصيدة النثر وفي قصيدة الشعر سوف يعيد الشعراء تركيب عالم غريب، مختلف،سنشعر فيه بالغربة ،كما لو كنا مسافرين على كوكب آخر باستخدام المواد الاعتيادية جدا والحقائق اليومية ،وكلمات الأيام العادية ،والأشياء المبتذلة . فعلى الشعر ألا يتدفق من  جمال التعبير قدر تدفقه من صيغة الرؤية.

 


   

[1] هوس قصيدة النثر من خلال رسائل بودلير إلى هوسيه ..ترجمة محمد الاحسايني

  

[2] أدونيس ، زمن الشعر، دار العودة بيروت ، الطبعة الثانية ، 1978ص

   
تم عمل هذا الموقع بواسطة