أهلاً 2020 ..
أنا "بردان"
..
أنا المراقب الأكبر للحياة
وأحب أن أجري المقارنات ، وأطرح التشبيهات
ومنذ طفولتي كنت ألتقط المشاهد الخاصة :
أمشي بخفة
خلف الدرويش الذي يحرك المبخرة
الممسوكة من أعلى بالسبابة والإبهام
كان الدرويش يحركها دائرياً لكي ينبثق البخور الكثيف
وكنت أراقب المرأة المنشغلة بكيّ بنطال ابنها ،
وملابسه ،
طوال الليل ،
بقلب يعتصره الألم
وأراقب أصابعها الطويلة
الممسكة بالمكواة الحديدية في صبر وتؤدة
كانت تبهرني الأصابع :
وأظل أتأمل كفي ، وحركة أصابعي
وأصابع الآدميين ، وأصابع القردة
وكنت أعرف أن الأصابع لها خصوصيتها ،
لأنها حاملة البصمات
ولأنها هي التي تصنع كل شيء
كنت أراقب :
جاكت الكاروهات الكبيرة التي تجعل من يلبسها
يشبه البلياتشو
أراقب مداخل الأبنية التاريخية
وأقول أن الأصابع الماهرة هي التي شيدتها
الأصابع الآدمية هي التي خلقت الحضارات ، والتواريخ
وحين هرب فريون الثلاجة
عرفت معنى المشكلات المحبِطة
وعرفت معنى المعرفة ، وظللت أجمع الكتب
بكل أحجامها وأشكالها وروائحها ،
ولكنني في الآونة الأخيرة
بدأت أضع بين الكتب التي على الرفوف
أكياس المناديل ،
وفتاحة زجاجات المياه الغازية ،
وأقلام الحبر الجاف
ولكن لازالت شخصيات الحواديت التي سمعتها في الطفولة
حاضرة في ذهني
ومهما كانت الشبورة غائمة
أتمكن من رؤية المرأة الجميلة التي
توقفت عن نشر الغسيل فجأة
ودخلت من باب البلكونة ،
ولكن في الأصل لايمكن أن تتم عمليات غسيل الثياب
دون أن يكون هناك دور محوري للأصابع .
.
السبابة قامت بدور كبير في حياتنا :
بين المنع والاختيار والتقرير
كما أن الأصابع هي قمم الإحساس
وهي التي تعرف كيف تعبر
عن أدق مشاعر الحب ،
وحين تمشيت حتى النافذة
نظرت مباشرة إلى المطعم في العمارة المقابلة :
رأيت الرجل السمين الذى
يغطي صلعنه بالبرنيطة الإفرنجية
يلتهم رغيف "الحواوشي" الذي قبض عليه
بأصابع غليظة محتشدة .
.
للأصابع أدوار كثيرة في الحياة :
الأصابع قد تقتل بخنق الضحية
وقد تعلن البشارة
عندما تستقبل الوليد الباكي .
وأنا لي ذكريات لا أول لها ولا آخر ، عن الأصابع
ولا أنسى كيف عوقبت أمام كل التلاميذ
بهذه الضربات القاسية فوق الأصابع
ولازلت أضم الكف
وأدفع بالإبهام للأمام لأعلن الرضاء
والثقة المطلقة .
.
قميصي له رائحة الحزن
و الموبايل الذي اتصلت به كان مغلقاً ،
ولكنني أغلقت "سوستة" الجاكت جيداً
وأصبحت جاهزاً تماماً : للخروج .