أنا .. عبد الحميد الصائح ( العراق )


مِنْ كُثْرٍ مَا أَنَا رَمَيْتُ عَلَيْكِ ذِكْرَيَاتِي وَخَلَعَتُ تَارِيخِي الْمُتَصَدِّعَ فِي حَضْرَتِكْ أسْتَثْنِي مَدِينَةً صَغِيرَةً لَنِ أُدْخِلهَا قَفَصِي، أقاومُ أنْ تَكُونَ مَاضِياً لَأنِّها أَنْتِ، أَنْتِ فَقَطْ، اُسْمُكِ اِسْمُهَا، وَرَائِحَتُكِ صَدِيدُ أنْهَارِهَا، وَعُمُرُكِ يَتَوَقَّفُ تَحْتَ ظِلَالِ أشجارِها، هَذَا هُوَ كُلُّ شَيْء. هَذِهِ هِي آخرُ رَسَائِلِ الْمَشِيمَةِ الَّتِي نَسْجناها مَعَاً هُنَاكَ.. عِنْدَ نِهارِالطفولةِ وَطفُولَةِ اللَّيْلِ وَاِرْتِعَاشِ السّنوَاتِ الصَّغِيرَةِ.. قَبْلَ أنْ تَأَكَّلَ الْمُدُنُ الْغَرِيبَةُ لِحَمِي، وَتُبْعِدَنِي مِثْلَ جَنَاحَيْنِ بِلَا طَائِرٍ، أتهجى الْمُدُنَ وَالنِّسَاءَ وَحَرَسَ الْحُدودِ وَالْوَثَائِقَ الْمُزَوَّرَةِ، أعْصِي رَبِّي بِالْاِتِّفَاقِ مَعَهُ، وَأبْكِي وَحِيدَا بِلَاكِ ؛ بِلَا ظِلَالِ أشجارها وَلَا صَدِيدِ اِنْهَارِهَا وَحِيدَاً مُنْهِكَاً أصْلُ الْمُخَيَّمَ. لِذَلِكَ لَمْ أترددْ فِي أَنْ أقولَ أَنَا، مُزْدَحِماً وَحْدي.. وَحْدِي يَا أنْتِ... مَعْي تِلَالٌ مِنَ الترقب، وَأنْهَارٌ مِنَ الْبُكَاءِ وَأُمِّي. أضَمّدُ جراحي بِيَدِي، وَأُؤَجِّلُ السّنوَاتِ حَتَّى تَعَفَّنَتْ، تَرِكَتُ الْقَصَائِدَ تَكْتُبُ نَفْسَهَا فَتَشَابَهَتْ كَالْنَّمْلْ، وَتَنَاثَرَتْ فِي الأمتعةِ الشَّحِيحَةِ، وَعَلَى مَنَادِيلِ المقاهي وَمَقَاعِدِ الْقِطَارَاتِ وَجُدْرَانِ الْمَرَاحِيضِ وَمَعَاهِدِ اللُّغَاتِ وزنازينِ الْعُزْلَةِ الْمُتَعَدِّدَةْ؛ مُذَيَّلَةً بَاسِمِ الْوَطَنِ الْبَعيدِ، وَالْبَيْتِ الْمُسْتَحِيلْ، والمرأةِ الَّتِي لاتصحو فِي قَلْبِ لاينام. حَتَّى رَسى حُطَامُ زَوْرَقِي الأخير عَلَى غَدٍ غَائِبٍ وَاِمْسٍ شَامِتٍ يَتَقَاتَلَانِّ، بَعْدَ أَنْ سَرَقَنِي الْكَلَاَمُ وَاِفْتَضَّ حَيَاءَ الرَّاهِبْ، وأحالني الى عَدَالَةِ الْوَهْمِ، قَذَفَنِي الى الْمَارَّةَ نَجْمًا بَغِيًّا.. لاتنتظري قِصَّةً بَعْدَ ذَلِكْ، فَعَدَّى مَا كَانَ هُنَاكَ؛ مَحْوٌ، قُلَّاعٌ مِنَ المَحْو ، اِحْلَمِي..اِحْلَمِي كَثِيراً اِحْلَمِي حُلُمًا لن ينتهي، كَيْ تُسَكنِيهَا.. بَغْدَادُ – لِنُدِنْ شِتَاءَ 20

تم عمل هذا الموقع بواسطة