غناء الحرب / الشاعرة:  آلاء عبد الحي / العراق

رَأَيْتُ الرِّجَال يَرْقصون فَوق الماء
وَيَرْمون أَجْسادهم كطعم للرَصاص
الفُقَّاعات أَنْفاسهم قَنابل موْقوْتَة
في جَرَّة مليئَة بالحَنْظل
يَطْفو الذُباب فَوْق الجُرْف تُغَنِّي خُوْذَة كالمزْمار
البَحْر يَرْقصُ والهَواء في النُعوش بَشَرٌ أَحْياء لا رَبّ لَهُم
جَلَسْتُ القُرْفُصاء في الحُلم، أَتَكوَّرُ كالقَذيْفة
حانَ دَوْري للانطلاق
أَرْكضُ خَلْف أُمّي حامِلَة أَقدامي
يَفْزَعُ المَوتى كُلّما هَوى تابوْت
الأَشْجار تَنْتَحبُ وَيَتَرجَّل المَوت مِن أَعلى الشَجَرَة
يَمْضَغُ الأَنْفاس
يَسيرُ بالزَمَن نَحْو فَضاء أَسْوَد يُدِّونُ أَبْواب المُدن
شَهيْدٌ، فَقيْدٌ، مُحارِبٌ في أَرْض مَوْبوءة بالمَوت
تُغَنّي الحَرْب فَوق السَواتر، تَتَراقص الجُثث
اعْلانٌ مُكثَّفٌ لِنَشْرة أَخْبار مُوْجزة
المُذيْع يَهْربُ مِن المَجْزَرَة، جنْدي بلا رَأَس
والنسْوة اللاتي فَقَدْنَ أَوْلادهنَّ, قُطّعَت أَثدائهنَّ، والحَليْب يَصْرخُ في أَفْواه القادة 
رَأَيْتهنَّ يَنْتَحبْنَ وَيَرْميْنَ التُّراب فَوْق رُؤوسهنَّ، قَبيْلة قَبيْلَة يُسافِرْنَ عبر عَويْلهنَّ الى العَصْر الحَجَريّ 
حَيْث تَستَفيقُ المَقابر 
أَلْهو قُرْب يَنْبوع الدَمْع، وَالحَرْب تَصْدَحُ بأَغانيْها
تَهْتَزُّ صُور الشُّهَداء على الجُدْران
اعْصار أَسْود يَشْطرُ الحُزن
باقات مِن الزُهور الاصْطناعية حُنِّطَت في الصورَة
يا لتَفاهة هذهِ السَماء الزجاجيْة، يَغْويها طُعْم أَجْسادنا المالحة
كَيْفَ رَوَّضْتَ التُّراب أَيُّها الرَبّ؟ 
يَبْكي القَلْب دَماً، وَسَيْل العَيْن نَهْرٌ غيْر صالِح للوُضوء 
كُلّما تُقيْمُ الحَرْب صَلواتها فَوْق أَجْسادنا أَنْتَحبُ، والقنابل تُغنّي والشَظايا هَواء
كانَت أُمّي تَبيْع الحَلْوى للجنود العائدين مِن المَوت
وَكُنْتُ أَرى السَماء بأَعْينهم تَنْكَمشُ
وَتَنْهَمرُ رَسائِل مِن الدَمْع كُلَما مَشَّطوا الشَوارع
أحدهُم أَخْرج مِن حَقيْبَته ظَفيرة حَبيْبَته وَقال:
هَذهِ ذَخيْرة الحَرْب، وآخَر كانَ يَرى الجَحيْم في عقْب سيْجارته
يَدْفن الجَحيْم في الأَرْضِ، وَيَبْصق فَوق سَماء مَلْعونَة وأَنا أَجُرُّ الشَمْس خَلْفي، مَهْدٌ مِن الأَشواك
سَتَلد أُمّي الأَرْنَب البَريّ، وَسَيتفحَّص الأَلْغام 
مَتى ما هَوى نَعْش نساء
تلْك القبيلة مِن البارود
القابِلَة تَنْعى وَحيْدها، فَوْق بابها بَنى الحَمام عشَّاً مِن الرَصاصات التي غَادَرت الحَرْب مُبكّراً
وَخوْذة ابْنها اسْتَلقت على جُرْف النَهْر تُغنّي
لكَي تَجْمَعُ رُفات الجَسَد
سَقَطْتُ أَنا في فَضاء مِن دُخان 
لا أَعْلم ما الأَمْر
روّعْتُ مِن بشاعة المَشْهَد عنْدَما رَأَيْتُ
النَهْر يَتَمدَّدُ في وجوه أُمّي وَالنسْوة الأُخريات يَلِدْنَ قَنابل، كانَت الحَرْب تَحْشونا في فُوَّهات البَنادق



تم عمل هذا الموقع بواسطة