لم تكن علاقتي ب " كلوديا شيفر " وطيدة ،
إلى الحد الذي يزعجه ،
أو يثير غضبه ،
أو يستدعي مني الثأر ..
فلم أُقَبِّلها إلا مرةً واحدة أثناءَ الرقص ،
عندما تقابلنا صدفةً ،
على غلاف مجلة "رولينج ستون" ..
ولم أضاجعها إلا مرتين فقط
- دون عنف -
في أحد الأحلام ..
التي منعتها الرقابة من العرض ..
فلماذا يخبر "ريتشارد جير" ،
عن علاقتي آنذاك ،
بزوجته السابقة "سيندي كروفورد" ..
ويحدث أمير موناكو ،
عن خلافاتي الدائمة مع " ناعومي كامبل " ،
بسبب غيرتها الزائدة ،
ولماذا يزرع الساحر الشهير ،
بجمجمة رجل ،
نصف ميت ، نصف حي ،
شريحة إلكترونية بحجم رأس الدبوس ،
ليتتبع خطواتي ،
ويكشف في بث مباشر ما تحويهِ رأسي من آلام ،
وما يدورُ فيها من أحلام ..
سأفرغ الآن ما في رأسي أمام العالم ،
وأفسد عليه العرض ..
.
.
.
1- في رأسي نافذةٌ ،
أطلُ منها على الغيب ..
وحوضٌ زجاجيٌّ فارغ ،
تسبحُ فيه الأحلام مع أسماك الزينة ..
ورغباتٌ مفترسة ،
تنظر إليها بشهوة طوال الليل ،
تنتظر أن تخلع ملابسها خلف الأعشاب ،
كي تتوسدَ عاريةً سطحَ الماء ..
.
.
2- في رأسي أنينُ شوارع ،
وبكاءُ حارات ،
وهزائم وانكسارات ..
وميادين ،
تسبُّ للمتظاهرين الدين ،
وأشجار ،
تلعنُ القنابلَ المُسيلةَ للدموع ،
والعطش والجوع ، والشعارات ،
وعوادم السيارات ..
وأفكارٌ شاردة ،
تكرهُ مثل أينشتاين ميكانيكا الكَم ،
ونوافير الدم ..
.
3- في رأسي تمثالٌ لزعيم ،
يأخذُ حقنةً من الأسمنتِ ثلاثَ مراتٍ يومياً ،
قبلَ الأكلِ وبعدَ القتل ..
ويتركُ باقيَ التماثيلِ بلا ترميم ،
آيلة للعدوى والسقوط ..
بلا قفازاتٍ أو كمامات ،
بعد أن أهدى باسم الشعوب المحبة للسلام ،
كاملَ المخزونِ إلى العمِّ سام ،
تأكيداً للمحبة ،
وفروضِ الطاعةِ والوباء..
.
.
4- في رأسي طيورٌ للظلام ،
فَرَّت من قاعات السينما ، وشاشات العرض ،
وأشرطة الأفلام ..
تنشرُ الرعبَ في المدينة ،
تحلقُ فوق السحاب ،
تبُولُ على رأسَيّ شريف عرفة ،
ووحيد حامد ،
تبصقُ في وجه عادل إمام ،
ثم تقذفُ قبرَ هتشكوك بالحجارة ..
.
.
5- في رأسي مواءُ قططٍ ،
ونباحُ كلاب ..
ومدائن للموتى ،
يقيمها تجار السلاح ،
بعد كل هزيمة لشهداء الحرب ..
.
.
6- في رأسي حياة ٌ مُزَوَّرَة ..
ومدينةٌ مُسَوَّرَة ،
تسكنُهَا الأسُودُ والأفاعي ،
وتحرُسُهَا الذئابُ ، والجنودُ الجارحة ..
.
.
7- في رأسي إعلانٌ عالمي للمناخ ..
لا يحترمه الأغنياء ،
وجماجم صديقة للبيئة ،
وهياكل عظمية لا تدخن بالأماكن العامة ،
أو المقابر المغلقة ،
ولا تنفث دخان سجائرها في وجه الحدائق ،
أو تصرف دموعها في مياه البحر ..
.
.
8- في رأسي نهرٌ للأحزانِ ،
بطولِ التاريخ ،
وعرض مزرعةٍ للبطيخ ،
تتشحُ بذورُها بالسوادِ من ألف عام ،
أحقنُ في مواسم الحصاد شرايينها بلون الدم ،
وأطلي سورَها الخارجيّ قبل البَيع ،
بدرجاتِ الأخضر ،
كمصيدةٍ للحالمينَ بدخولِ الجنة ، أو الشراء..
.
.
9- في رأسي رجالٌ للشرطة ،
يتسللون من ثقبِ رَصَاصَة ،
أطلقها ضابطٌ أحول ،
كان - كما زعموا - يحاولُ الانتحار ..
ينبشونَ نفايات الماضي ،
يبحثونَ في أعماق الذاكرة ،
عن قميصِ نومٍ أحمر ، مُلطخاً بالدماء..
لامرأةٍ خائنة ،
قتلتُهَا في حلمٍ سابق..
.
.
10- في رأسي ثلاثُ صُوَرٍ قديمة ،
أحاول نسيانها منذ زمان ..
عثر عليها الأوغاد ،
قالوا أنها تصلحُ لقصيدة ،
وربما - بعد كتابتها - كدليل اتهام ..
لا أدري ماذا يفيدُ هؤلاءِ المرضى ،
صورةِ طفلٌ يتيم ،
فقدَ أمهُ أثناءَ الولادة ،
فرسمَ ثدييها على وسادتِهِ ،
وخبأ بينهما دموعَهُ وقتَ الرضاعة ،
وكان حين يشعر بالخوف..
يحضن صورتها المعلقة بخزانةِ ملابسِهِ ،
ويدفنُ جوعَهُ بجَيبٍ سري ،
أسفلَ شقٍ بالصدر ..
أو بصورةِ شابٌ متطرف ،
كان يرسلُ لحبيبته كل صباح
خطاباً غرامياً ، مع قُبلة ، وباقة ورد..
وبعد عودته من أفغانستان ،
أصبحَ يرسلُ إليها خطاباتٍ برائحةِ البارود ،
ويضع لها كل مساء ،
بداخلِ صندوق البريدِ قنبلة ..
أو بصورةِ شيخٌ عجوز ،
لا يملكُ قطيعاً من الغنم ،
ويتوكأ على عصًا ،
يهشُ بها الذبابَ من حوله ،
ويضعها بين فخذيهِ عند الضرورة
- بشكلٍ عمودي -
كنُصُبٍ تذكاريٍّ لشهيد ..
.
.
11- في رأسي وتحتَ الجِلد ،
حياتٌ تسعي ،
ألفُ " كوبر فيلد " ..
محمد حبشي / مصر ..
( 25 - 4 - 2020 ) — 12 : 10 مساءا ..
———————————————————
* تساؤلات على هامش النص :
——————————————
لم أتهمه بالخداع ،
عندما أخفى تمثال الحرية ،
خلف سحابة عاهرة تعشق ال ( CIA ) ،
وتنتظر أمام البيت الأبيض ،
أوامر أحد القوادين من نجوم البنتاجون ..
ولم أتهمه بالغش ،
عندما أعاد مكانه نسخة مزيفة ،
صنعت - طبق الأصل - في ليبيا واليمن ..
ولم أتهمه بالتدليس ،
عندما عبر من خلال سور الصين العظيم ،
وهو يقف أمامنا على المسرح ،
بينما جيوشه تعبر نهري دجلة والفرات ..
ولم أتهمه بالنصب والاحتيال ،
حين استعار اسم الشهرة ،
من عنوان رواية لتشارلز ديكنز ،
دون أن يمنح ورثته حق الأداء العلني ،
أو بعض الدعوات المجانية لحضور حفل افتتاح ،
ثورات الربيع العربي ..
فلماذا يضعني " دافيد كوبر فيلد "
على قوائم الإرهاب ،
ويتهمني بالخيانة لمجرد علاقة عابرة ،
مع زوجته في الحلم ..
ولماذا يزرع في قلبي حقلاً للألغام ،
بمساحة وطن ؟ ..