نَشِيْد الغَرَق .. محجوب كبلو ( السودان )


كانَ صَوْتُكِ يَرِفُّ فَوْقَ غَرَقِي تَنَهُّدَاتِ جُرَّةٍ إثْرَ شَفَةِ المَاء، وكانَ مُلْتَبِسَاً بَيْنَ الشَّدْوِ والحَمَامَة، وآنَ طُلُوعِ وَجْهِكِ خَلْفَ سُدَفِ العُبَابِ كَوَجْهِ المُغَنِّي خَلْفَ أوْتَارِ القَيْثَار.
كانَ وَجْهُكِ لي، وكانَ العُبَامُ يَنْسُجُ فَوْقِيَ قَامُوسَهُ. أمَا كانَ لِي؟ وهذه المُخْضَمَّةُ تَلْعَقُ ضوئِي وتَتَجَشَّأُ عَدَمِي.
تَنْتَشِلِينَ غَرَقِي بِذِرَاعَيْنٍِ مَائِيَّتَيْنِ فَتَطْفُو بَدْلَةُ عَوْمِ رُوحِيَ الحَيَّةُ ـ جَسَدِي ـ مُبَطَّنَةً بالعُلْجُومِ والطُّحْلُبِ، ومَوْشُومَةً بِتِذْكَاراتِ جَمْهَرَةِ المَاءِ وغَوْغَائِه.
تُمْسِكِينَ يَدِي كَأجْدَى هَذَيَانِيَّةٍ لِغَرِيقٍ، جَائِزَةً بي أَهْرَاءَ عَدْنِكِ وحَظَائِرِهِ، مُخَلِّفَيْنِ وَرَاءَنَا حُوْذِيَّةَ الزَّمَنِ المُسَرْنِمِينَ، تَسِيلُ قُبّعَاتُهُمُ الكَسْلانَةُ على صُدُورِهِم ولِحَاهُمِ الأَيْلِيَّةِ، وتَرْنُو إلى أُفْقِنَا كَائِنَاتُ اْصْطَبْلاتِ الرَّبِّ المُسَوَّمَةُ فَتَصْهَلُ بالعَسَلِ والأوْرْكِيدْيَا.
اْسْتَقَمْنَا واْنْحَنَتْ لَيْلَتُنَا نَحْوَ إِجْهَاشِهَا فَتَعَلَّلْنَا بِتَأْوِيلِ خَرَسِهَا القَمَرِيِّ: «لَوْ كَانَ أَبَاكِ لَمَا نَوْسَرَ بِهِ جُرْحُكِ أنَّى أَغْفَى، ولَمَا هَبَطَ مِنَ الجَّنَّةِ مُخَضَّبَ اللِّحْيَةِ بِهَدِيلِك. كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ يَسِيرُ إلَيْهَا حتَّى خَطَوَاتُها نَحْوَك. كُلُّ شَيْءٍ مِنْكِ يَجْأَرُ إلَيْهِ حَتَّى خِيَانَتِكِ إيَّاه».
تُؤَجِّلِينَ كَقَوْسِ قُزحٍ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ خَرِيفِي، ومِنْكِ يَبْدَأُ تَقْوِيمُ مَجَاعَتِيَ الذَّهَبِيَّةِ: رَبَّةٌ لا تُجِيدُ سِوَى صُنْعِ القَهْوَةِ والظَّهِيرَاتِ المفقودةِ من الرُّوْزْنَامَة. تَحِيكُ مَلْمَسَ اللَّيْلِ قُفَّازَاً لِلْعَاشِقِ؛ والنَّهَارَ كَانَافَـاهْ أَزْهَارٍ وفَوَاكِه، وتُتَرْجِمُ كُلَّ اللُّغَاتِ، بِفَمٍ صغيرٍ، إلى الصَّّمْت.
أتَسَلَّلُ مِنْ مِخْدَعِكِ مُعْتَرِفَاً بِبَرَاءَتِي، وتَخُونُ يَقَظَتِي وَصَايَاك:
لَنْ أُبَارِكَ
لَنْ أَغْفِرَ
لَنْ أَمْتَثِلَ
لَنْ أَنْتَحِلَ
لَنْ أَعْتَلَّ
لَنْ أَذْبُلَ
لَنْ أَقْسُوَ
لَنْ أَتَوَحَّشَ
لَنْ أَنْتَحِبَ
لَنْ أُذْهَلَ
لَنْ أَنْجُو.




تم عمل هذا الموقع بواسطة