محمد عيد متقنعاً بسندباد شعري .. حاتم الصكَر ( العراق )

لقد غدا السندباد - كرمز شعري -  في قصيدة الحداثة مفردة مستهلكة فنياً وموضوعياً حتى بتحريك دلالته  وإخراجه عن سياق الليالي العربية ،أو متن حكاياته السبع الراصدة لرحلاته ومغامراته التي يختلط فيها الأسطوري بالواقعي؛ فماذا يطمح الشاعر محمد عيد إبراهيم حين وضع السندباد متبوعاً بوصف الكافرفي ديوانه (السندباد الكافر) 2009 ؟  سندباد محمد عيد (في حلمه بحر)  لكنه ليس أزرق كما تصف الغنائيات الرومانسية بحرها العاطفي .. و(ألوانه) لم تجف بعد – فهل أرادها محمد عيد أن تكون انطباعاً في لوحة شعرية عن بحرسندباده؟ أم  هوتداعٍ صوري مرجعه المشاهدة البصرية  و الخزين الخيالي؟- سندباد محمد عيد  مهزوم ومأزوم (يهرول من هول سمكة )  ولا  يتبغي له  أن يكون حفيدا وفياً لمغامرات جده الذي يتغلب على الحوت وشيخ البحر والعملاق والرخ والثعبان والرياح ونذر الموت التي يتجاوزها حتى لو جاءت مموهة  بصورة امرأة تموت بعد زواجه منها ، ويتعين دفنه معها حسب أعراف مدينتها. أو إحدى السيرينيات اللواتي يجذبن البحّارة إلى جزيرة النساء بغنائهن ، ليقتلنهم بعد الحمل منهم. وهكذا يتوب السندباد البحري عن ركوب البحر ، ويعترف للسندباد البري أنه قاوم بعد رحلته الأخيرة هوى نفسه (الأمّارة بالأسفار) واستقر .  لكن نساء محمد عيد يستجبن لمزاج ذلك النوع من شخصيات السندباد التي انتقاها:  هو سندباد شعري يستعيد حتى ما لم يحدث في  مخيلة سوريالية شعرية ،تعززها لغة توازي شطط تلك المخيلة وفوضاها الحرة؛ فالمرأة مركّبة من نساء عدة ، كأنما لتستجيب لشبق شعري يؤطر اللغة والصور وإيقاعات النصوص ،  وذلك مجسّد في خماسيّات ورباعيات لم تعهدها قصيدة النثر المنفلتة من النظام القهري للتوزيع الشطري، والمندفعة في فضاءات صورية حرة  لا يحدّها سطر أو بيت. تستمر رباعياته في نسق حر، ثم تطول الأسطر الشعرية في ما يشبه التدوير السطري المتواصل. الذاكرة  تضخ تلك الهيئة الخطّية للقصائد بما رآه السندباد العصري . وتُراكم المَشاهد  والمرائي المستعادَة في شكل سيناريو حر لم تمسه يد ، لتربطه بطريقة المونتاج الصوري التقليدي في قصائد الحداثة.المونتاج الوحيد هنا يتم في الذاكرة قبل الصياغة.  وإذا كان محمد عيد  يعوّل على الذاكرة أساساً، فإنه لا ينصاع لتداعياتها، بل يعبث بتسلسلها و زمنيتها ومكانها ودلالاتها.هو الذي يرتبها  لتصبح شعرا: الشعر أن تتذكر حتى لا تتبدد حقيبة حفظنا فنستيقظ من الغفوة راجمين الغيب بالحجر  لهذه الذكرى هيئة ظاهراتية ، فتغيب عناصر المشهد وتجري المياه مرات في بحره: فما رأيناه لن يعود كما كان وما كان لن يعود كما رأيناه   ففي مصهر النص يتشكل من جديد.هكذا يمكننا معاينة الكِسَر الإيروتيكية في القصائد ؛ فهي ترد غير مشذّبة كما عاينتها تجربة الخطيئة الأولى التي تختلط لدى محمد عيد بالوعي الأول والتفاحة الشيطانية التي لا يسجد لملاك بعدها،و صلته بالأساطير واللغة أيضا .لغة تعوزها الروابط النحوية التقليدية، فتأتي التراكيب مبتورة كما في حلم  أو تمتمة خوف ، لكنها تتماهى بعمل الذاكرة الطليقة ..فترد تراكيب لا يمكن تفسيرها منقطعة عن سياق النص كالقول(سُكّر الجفنين مالح)و(عجل وقح فوق بطن قيثارة).يعزز تلك السوريالية الإستمداد من مقروءات الشاعر وتأثراته كصورة الحياة الجالسة على ركبتيه ،والإوزة المتزوجة بشاعر، وسواها من تناصات ذكية تهب من موقد النصوص والتداعيات، تمتزج فيها السخرية الدامعة والذكريات والجرأة التي تُحسب للشاعر في توظيف المسكوت عنه في الكتابة الشعرية السائدة، و ليس الجنس إلا واحدا من ثيماتها المسانِدة. هذا ما سيظل من السندباد الذي قاسمه الشعر بما رأى ،فهرع مستسلماً لظهرسفينةٍ يتقاذفها موج الغواية ، وحنين نفس أمّارة بالأشعار! وهكذا يريدنا أن نراه أخيراً : لا تروني ميتاً ، فسأبسط كلماتي على الأرض، قد أعود أقل شباباً، لكن سترضعني يمامة بيضاء، قتبل شغتيّ بالضحك والشماتة ،ممن بكى لفراقي دورة حياة أسطورية .ينبعث فيها السندباد سبع مرات في رحلاته ويقطّرها محمد عيد إبراهيم شعراً في تكوين سندباده الذي لم ينجً بالشعر، بل ظل في موجه كالغريق الحي..

تم عمل هذا الموقع بواسطة